ثقافة و فن

”عصر القطيع ” لكريم جهجاه

إذا كان ممتهنوا التفاهة هم تافهون بالضرورة، فإن من يخططون لنشر التفاهة ليسوا بتافهين بتاتا، إنهم يفعلون ذلك بوعي وبتخطيط مسبق، نحن الآن نعيش عصر “الآيدول” حيث توجد أصنام كثيرة وآلهة كثر، إن ما حدث هو إزاحة القدوة واستبدالها بالآيدول أو المعبود، والفرق بينهما شاسع، لأن القدوة مفردة أو نموذج يحمل حمولة أخلاقية وإنسانية، بينما الآيدول أو المعبود يعتمد على الكم، كم الاتباع، كم المعجبين، عدد المشاهدين، بدون أن تتم مناقشة المضمون أو المحتوى أو حتى الجدوى إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية مصلحية نفعية، وسيطرة هذا النمط ليس مقتصرا على العوام، بل تعداه ليصيب النخبة أيضا بكل انواعها، أما من حيت النطاق، فقد امتدت التفاهة من الفضاء الافتراضي إلى الفضاء الواقعي الملموس.
من فضائل التكنولوجيا إتاحة الفرصة لمن لا صوت لهم لإسماع صوتهم، لكن أيضا من عيوبها القميئة، والناتجة عن غياب الوعي، تمييع النقاشات والخوض في مواضيع تستلزم اطلاعا ودراية بالأحداث والتواريخ والحيثيات، حيث أصبح من العادي جدا أن تجد أشخاصا يناقشون مواضيع تتطلب التخصص والتمكن من المعلومات والسياقات والخلفيات، بدون أن يكون لديهم ذرة اطلاع على كل ذلك، نحن نعيش الآن في عصر الفوضى المنظمة، وبتعبير أدق، الفوضى المؤطرة، حيث يرسم مربع أو ينصب سياج للقطيع يسرح فيه ويمرح دون حسيب أو رقيب، لكن ما إن يقترب أحد أفراد القطيع من السياج أو الخط المحدد سلفا حتى يتم ضبطه، ورميه للقطيع الذي ينتمي إليه ليقوم بتصفيته، لأن القطيع يؤمن بشدة بأن كل مختلف عنهم هو عدوهم اللدود.

كريم جهجاه
تطوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى