ثقافة و فن

” كرسي الزعامة لا يقبل القسمة”- د.عثمان المنصوري

اليوم 15 ماي، خرجت من مقهى الموعد على الساعة السابعة مساء. لقد قررت أخيرا أن أغادر هذا المقهى إلى غير رجعة، وأبحث لي عن مقهى جديد.
لماذا؟ يقتضي الجواب عن هذا السؤال الرجوع بالذاكرة إلى سنة كاملة، وتتبع التفاصيل التي جعلتني أتخذ هذا القرار.
بدأت علاقتي بمقهى الموعد في منتصف شهر ماي الماضي، حين عرض علي صديقي في العمل مجيد الهواري الملقب بمجيدو، أن نشرب كأس قهوة في هذا المقهى. كان يعرف جيدا أنني لست من هواة ارتياد المقاهي، وأنني عادة ما أعود إلى البيت مباشرة بعد العمل. لكنه ألح علي هذه المرة، ووعدني بأن أقضي لحظات ممتعة مع أصدقائهالطيبين الذين يلتقي بهم يوميا في جو من المرح والمتعة، وفي فضاء جميل ومحترم. فقبلت دعوته، على أساس المجاملة، وأن ارتياد هذا المقهى سيكون لمرة واحدة، ولن يضيرني في شيء.

حين وصلنا إلى المقهى، أعجبني مظهره الخارجي الأنيق، وواجهته الأمامية الكبيرة، والطاولات والكراسي الجميلة المصطفة بانتظام، فهمست لصديقي مجيدو بأنني لا أحب الجلوس خارج المقهى، فأكد لي أنهم جميعا لا يحبون ذلك، وأنهم يجلسون في ركن مخصص لهم داخل المقهى. دخلت مقتفيا أثر صديقي الذي جال بنظره في المقهى، فلمح ثلاثة من أصدقائه في مكانهم المعتاد، وأشار إليهم ملوحا بيده، وتوجهنا نحوهم، ثم قدمني لهم و قدمهم لي واحدا واحدا:

– السي امحمد سليطن، وهو اسم على مسمى، موظف متقاعد، ورئيس المجموعة وقائدها الذي لا تحلو جلساتنا إلا به، وهذا السي بوشعيب بنمسعود موظف في بنك، وهذا عبد القادر المذكوري فلاح وكساب، يملك ضيعة بجوار المدينة، ولا ينقصنا سوى الأخ شفيق المسفيوي، أستاذ الرياضيات.
رحب بنا الحاضرون، وقدموا لي كرسيا بجوار مجيدو، واستأنفوا أحاديثهم بشكل عاد. ولم تمض إلا لحظات حتى وجدت نفسي أنسجم مع المجموعة، التي التحق بها شفيق المسفيوي. كان “سليطن” يتسيد الجلسة فعلا، فهو الذي يحسم في النقاشات، ويعلق عليها، ويسيطر على الجلسة. كان يفعل كل شيء، لإثبات ذاته. يحكي النكت والنوادر، ويتحدث في الكرة والسياسة والفن والثقافة، ويستعرض معلوماته، وكانت له قدرة على الحديث وإدارة دفته، واحتكار الكلمة، وشد الانتباه إليه، يساعده في ذلك صوته الجوهري، وقوة شخصيته وإعجاب زملائه والتفافهم حوله. كانت الجلسة ممتعة حقا، والمقهى من الداخل رائعة، بديكوراتها وأثاثها، والشاشة الكبيرة التي تعرض مباريات كرة القادم، والأخبار من القنوات الدولية، وأحيانا الأفلام الوثائقية حسب ذوق أغلبية الزبائن. كما أنها نظيفة، والخدمة فيها جيدة، والنادل يسعى برشاقة ومرح إلى تلبية طلبات الزبائن، والطاولات متباعدة، تتيح للجالسين التحدث في حرية وبدون حرج.
قبل أن نخرج سألني صديقي مجيدو، هل أعجبتني الجلسة، فعبرت له عن إعجابي الشديد، وبعد أن ودعْنا باقي الجلساء، صرحت له بأنني سأكون سعيدا بالانضمام إلى هذه المجموعة، فهلل لذلك، وأكد لي بأنني لن أندم على ذلك، واتفقنا على أن نذهب إلى مقهى الموعد، في نفس الموعد كل يوم بعد انتهائنا من العمل في الشركة. والتزمت فعلا بالاتفاق، وواظبت مع صديقي مجيدو على حضور لقاءاته مع أصدقائه كل يوم، وأصبحت عضوا سادسا في المجموعة، وبدأت أشعر بأنني لن أجد صعوبة في الانسجام مع أعضائها.

د.عثمان المنصوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى