ثقافة و فن

الانفلات من الطوق للكاتب عثمان المنصوري -مصطفى لغتيري

يبدو أن إغراء الكتابة القصصية لا يقتصر على الشعراء والنقاد فحسب، بل طال كذلك الباحثين في تخصصات علمية متعددة ومنها البحث التاريخي، لقد اعتدنا ان نقرن اسم الأستاذ عثمان المنصوري بالبحث التاريخي، الذي انقطع إليه مدة طويلة، وأنتج فبه كثيرا من الأثر، وقد سعدت هذه الأيام تحديدا بقراءة ترجمته لكتاب ف. أ. اوليفيرا مارتينيش المعنون ب ” البرتغال والمغرب في القران 18- حصار مازاكاو الأخير” وهو الكتاب الذي يسلط فيه صاحبه الضوء على فترة مهم من تاريخ المغرب.

ويبدو ان الكاتب عثمان المنصوري لم يكتف بالتأربخ للأحداث المهمة، التي طبعت تاربخ المغرب، بل استهواه كذلك “التأريخ” للمهمش والمنسي والبسيط في حياة الناس، وهذا بالضبط ما تقوم به القصة القصيرة، كفن حديث، يرى الناقد الأمريكي فرانك أوكنور انه يحتفي بالمهمشين، ويرصد تفاصيل حياتهم، خاصة تلك اللحظات النوعية التي تتمبز بالتحول وتحديد المصير.
في مجموعته القصصية ” الانفلات من الطوق” والتي تعتبر باكورة الكاتب في هذا الجنس الادبي الجميل، يسعى عثمان المنصوري إلى رسم لوحات إنسانية، يتملكها الطموح لمحاكاة الواقع، لذا يجد السارد ويجتهد في وصف ما يحدث أمامه من أحداث، أووتلك التر علقت بالذاكرة، وينقل لنا بعض الحكايا الطريفة ذات الطابع الواقعي التي تحدث للشخصيات، مازجة ما بين الحس الاجتماعي الواضح حينا وبين السخربة احيانا، من خلال التقاط بعض المفارقات، التي يحبل بها الواقع الاجتماعي، أو المترتبة عن السلوكات الإنسانية عموما، فجاءت القصص مشابهة لحكايا بوكتشيو، ذلك الإيطالي الذي يعتبره النقاد المؤسس الحقيقي لفن القص، حتى وإن كانت قصصه، تكتفي بالجانب الحكائي وتحفل به.
وقد تميزت القصص بتوظيفها للغة بسيطة واضحة، يبدو الهدف منها التواصل مع القارئ في حدوده القصوى، لذا كان الالتجاء أحيانا إلى بعض الألفاظ العامية خاصة على مستوى العناوين، وهذا ما يؤشر على الاحتفاء بالتعدد اللغوي داخل المجموعة، وهو الأمر الذي قد يحبذه القارئ، لكن هناك من يرى ان من وظائف الكاتب ليس فقط استعمال اللغة لنقل الأحداث، بل الإبداع فيها كذلك، بحيث يتعين أن تتمتع بنوع من الانزياح البسيط، الذي لا يسغرق في المجاز، ولكنه يلقي بظلال المعاني المستترة على التعابير اللغوية، مما يتيح تعدد القراءات والتأويل.
بالإضافة إلى اللغة البسيطة والواضحة استثمر الكاتب كذلك الحوار، الذي كان بارزا في النصوص القصصية، وهو بذلك منسجم مع الطابع الواقعي للقصص، إذ ان الكاتب يتيح لنا من خلال ذلك لنا الإصغاء مباشرة للشخصيات دون وساطة منه، ولعل في ذلك نوعا الموضوعية والحياد، الذي يساهم في إبعاد ذاتية الكاتب، حتى لا تهيمن على فعل القص، وهو ما يحسب لهذه النصوص.
كما ان قارئ هذه المجموعة القصصية ستوقفه نهايات القصص او ما يسمى بالقفلة، التي غالبا ما تكون موفقة، تكسر أفق انتظار القارئ، بل وترسم الابتسامة على شفتيه، وهي في ذلك تستفيد بشكل كبير من فن النكتة، التي تتظافر فيها جميع عناصرها مجندة لخدمة النهاية، بشكل مركز وقوي، وإذا ما فشلت النهاية تفشل النكتة بأكملها.
ويمكن كذلك ان يسجل المتلقي لهذه المجموعة تنوع المضامين واختلافها، لكنها تبقى وفية للثيمات التي تشغل القصاصين عموما، وتتمثل في كل ما يحدث للإنسان في هذه الحياة، التي تتميز بتعقدها رغم البساطة لتي تبدو عليها، ويحاول فن القصة القصيرة بسط بعض تفاصيلها أمام اعين القارئ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى