ثقافة و فن

خواكين فينيكس “قول في المشي على الجمر قبل السجاد الأحمر!”-أجدور عبد اللطيف

يبصم الفنان السينمائي العالمي خواكين فينيكس خلال السنوات الأخيرة عن نجاح باهر، حيث أصبح حديث الصحافة المهتمة بالفن السابع، خاصة بعد عمله “الجوكر” الذي لعب فيه دور البطولة، الفيلم حقق إيرادات غير مسبوقة في تاريخ السينما العالمية، وحاز إشادات عالية من النقاد، ومن الجمهور، لكن الكثيرين يجهلون أغلب فصول رحلة النجاح المدوية هذه.

كان Walk on the line أول فيلم يدشن به الممثل خواكين فينيكس اسمه بلوائح السينما العالمية قبل بضعة سنوات، صدر الفيلم سنة 2006 وفاز خواكين بالگولدن گلوب عن دوره الرائع فيه، حيث انقض على الفرصة الأولى التي تمنح له، ليفرض اسمه على الساحة.

ومع ذلك، ظل فينيكس متواريا ولم يفجر كل إمكاناته الخلاقة في السينما، وكان حديث بعض النقاد السينمائيين من ذوي النظر الثاقب عنه، وعن موهبته الفذة في تلك الفترة يبدو مثل الحديث عن التقوى داخل حانة.

بعد بضعة سنوات أطل الممثل علينا من خلال فيلم Master ثم بعدها فيلم Her واللذين لعب فيهما خواكين البطولة وفاز إثرهما على جائزة غرامي، وجائزة مهرجان كان لأفضل ممثل، صار بعدهما وجها مألوفا في هوليود، ومن الممثلين الذين يستطيعون بسهولة تامة إقناع المشاهد بأن ما يشاهده أحداث حقيقية، ويجعله مشاركا في القصة، التي يصير خواكين بدوره متماهيا معها بشكل تام، كما يظهر في أدائه المتفرد.

لقد قدم في الفيلمين الأخيرين أوراق اعتماده، ثم جاء فيلم Joker الأخير الذي تعرف من خلاله الكثيرون على فينيكس لأول مرة، غير أن هذا العمل، كما لا يعرف كثيرون كذلك، لم يكن غير تحصيل حاصل. ويلفت هذا العمل الانتباه إلى حرص خواكين الشديد على اختيار الأدوار التي يلعبها، حيث تكون في الغالب شخصيات مهمشة، هامشية، محتقرة، مقهورة، مصابة بمختلف أشكال الأمراض، لكنها تكافح من أجل الخلاص والانعتاق. شخصيات عصامية ترفض التسليم بالأمراض الواقع، حتى ولو تطلب الأمر اللجوء إلى العنف، كما في فيلم “جوكر” التي ينقل بشكل بديع أزمات الهوية المركبة الفظيعة التي تحاصر الإنسان المعاصر يوما بعد يوم، أكثر فأكثر، والتي ستقود بشكل حتمي، إلى انفجارات اجتماعية خطيرة. والعمل يمرر رسائل سياسية متعددة. لكن الملفت أن اختيار خواكين لعب هذه الأدوار دوما، وإتقانها، له صلة وطيدة بقصته الخاصة التي لا تقل تفردا عن قصص الشخصيات التي يلعبها.

ينحدر الرجل من بويرتو ريكو وقد تنقل في بلدان كثيرة رفقة اسرته النصرانية التبشيرية في أمريكا اللاتينية، لكن الحظ انتشله عندما استقرت أسرته بالولايات المتحدة الأمريكية، البلاد التي وفرت له الظروف ليسطع نجمه، ويجاري فطرته، فهو قد ولد ممثلا، لا شيء غير ذلك. ورغم كل الفاقة والمعاناة، التي مر بها في صغره، والحرمان من متطلبات طفولية كثيرة، وبدايات شباب أكثر تعقيدا وحرمانا، خاصة من فرص لعب أدوار، ودخول عالم التمثيل، حيث كاد ينصرف عن الفكرة نهائيا لولا إيمانه بحتمية تجريب فرصته على الأقل مهما تطاول الزمن.

يتقرر أن الجغرافيا، والزمن، والظروف، لا تغير من مجريات حياةٍ أي شيء، إذا ما كان صاحبها مهادنا للظروف مسلما للأمزجة الحياتية، فخواكين صك اسمه من عرق ودم منذ أول يوم يحوم بحذاءه الرث الرصيف الرتيب حول استديوهات تجارب الأداء، لأول حي أمريكي يسكنه مع والديه وأخته وأخيه، الأخير الذي اقتحم ميدان التمثيل وحاز بضعة أدوار جعلته ينقذ العائلة شيئا ما من الفاقة الفائقة، لكنه قضى بجرعة مخدرات زائدة في ناد ليلي أمام أنظار أخيه الأصغر وهو ابن تسعة ربيعا يومئذ.

إن مسار خواكين لو مكث في المكسيك، لكان ربما مغايرا تماما، في عمر الرابعة والأربعين، سائق باص بائسا مثلا، يستنشق الكلمات البذيئة بدل الأكسجين، أبا لعدة ابناء، متزوجا من امرأة بدينة تؤذيه بالشخير ليلا، وبتذمرها من سوء راتبه نهارا، وفي سيناريو احسن قليلا لكان سمسار عاهرات في بويرتو ريكو، وربما مخدرات، لا فرق سينتهي به المطاف مسجونا أو مقتولا في كلتا الحالتين.

أما لو كان في إحدى الدول العربية لقضى نحبه في إحدى قوارب الحياة، أو في حرب أهلية رخيصة مفتعلة، ولما تجشموا حتى عناء دفنه.

خواكين رسالة أخرى مفادها: لا تهن ولا تهادن، ولا تقبل قط بما لم توجد لأجله.

 

أجدور عبد اللطيف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى