هل انتهى محور الممانعة بعد إخراج سوريا من معادلاته ؟

إدريس عدار
ما وقع في سوريا أزمة يعيشها محور المقاو/مة وليس هزيمة. الهزيمة تعني انهيارا كليا. هو انكسار وليس اندثار كما يعتقد كثيرون، حتى من أنصار المحور. تصدر تعبيرات توحي بأن كل شيء انتهى. طبعا بعض المظاهر ترسم مثل هذه الصورة، لكنها خادعة. نعم انهزمت روسيا وإيران في سوريا وخرجت هذه الأخيرة من المحور وأعلنت حماس انحيازها لمحور سوريا الجديدة، لكن هذا لا يعني هزيمة ولكن يعني تحولا.
ومن المظاهر التي يبني عليها البعض أننا نعيش عصر هزيمة كبرى لا مخرج منها، هو تدمير العدو “الإسرائيلي” لمقدرات الجيش السوري حيث قضى على أغلب دفاعاته الجوية وأغلب سلاحه الجوي ولم يعد يوجد ما بواسطته يمكن بناء جيش جديد’ تحت أعين الحكّام الجدد، ووهم صامتون كأنه يدمر ممتلكات تابعة للنظام السابق، الذي أصبح جزءا من التاريخ. ودخل الجيش الإسرائيلي تحت أعين “الثوار الجدد” إلى مناطق كثيرة من سوريا، ولمزيد من التحدي عقد نتنياهو مجلسا أمنيا على مرتفعات جبل الشيخ (اليوم الثلاثاء 17 دجنبر 2024).
البعض ممن كان يقول إن الأسد لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل سكتوا ووجدوا ألف عذر للحاكم الجديد، الذي أعلن أنه لن يسمح باستعمال الأٍراضي السورية لتكون مركز أعمال عدائية ضد إسرائيل، أي يريد القول إن فلسطين ليست قضيتنا، ولكن ينسون أن سوريا حررت جزءا كبيرا من أرضها في معركة 73، إلى حدود وقف إطلاق النار، وفرضت قواعد اشتباك مع العدو.
وينبغي التذكير بأن إسرائيل لم تهاجم سوريا إلا بعد إغراقها بالإرهابيين من كل أنحاء العالم وذلك سنة 2012، ورغم ذلك فرض عليها الجيش السوري قواعد محددة، وتم تعزيز الدفاعات الجوية، حيث كانت تقوم بهجوماتها من فوق لبنان أو العبور فوق الأجواء الأردنية والعراقية وصولا إلى قاعدة التنف التي أقامتها أمريكا بمساعدة الجماعات المسلحة، ولهذا كان الاتفاق اللبناني الإسرائيلي ضربة قوية لإسرائيل بإلزماها بالقرار 1701 الذي يتضمن عدم خرق الأجواء اللبنانية.
وصول إسرائيل على مقربة من دمشق واحتلال مدن وقرى، يحاول نتنياهو تصويره نصرا. لكن نصر على من؟ لابد أن يسائله المستوطنون: من قاتلت حتى دخلت؟ الأبواب مفتوحة والجماعة الحاكمة الجديدة ساكتة. إذن هذا ليس نصرا.
الإسرائيلي لا يشعر بالنصر كما يشعر به غيرهم. يعتقد كثيرون أن الكيان لن يتوقف عند حد. لكن هل فعلا هو الآن بهذه الصورة؟
الصورة الحقيقية هي أنه أوهن من بين العنكبوت. وجد أرضا كرّبها وحرثها الإرهابيون في سوريا فدخل دون أن يطلق عليه أي واحد حتى حجرة ولم يتكلم الإرهابي الجولاني إلا بعد مرور أسبوع وأكثر ليطلب من الأمم المتحدة أن تطلب من نتنياهو الخروج والعودة إلى خط الاشتباك، ونتنياهو يقول إنه لن يخرج حتى يقوم بثبيت آلية تقوم بحماية أمن إسرائيل، وطبعا لن يخرج ولن تخرجه الأمم المتحدة ولا غيرها، فتاريخه هو كتاب مليء بعدم الامتثال لأي قرار دولي. لهذا هو يشعر الانتشاء وهو يقف على جبل الشيخ.
ومع ذلك فإنها أوهن من بيت العنكبوت.
هذا الجيش الذي يصول ويجول في سوريا جاء إلى جنوب لبنان بهدفين محددين. القضاء على سلاح ح.الله وإعادة المستوطنين إلى الشمال. حشد خمس فرق بمجموع 65 ألف جندي ومعه لواء النخبة غولاني. ومن المصادفات العجيبة يتشابه مع جولاني في الإسم. وحاول الدخول إلى جنوب لبنان. بعد أن قدمت له الولايات المتحدة الأمريكية هدايا ثمينة، حيث تمكن من تفجير أجهزة الاتصال وإخراج حوالي أربعة آلاف من الفعل المقاوم، وقتل القادة، وصولا إلى اغتيال سماحة السيد.
غير أن النتيجة لم تكن بحجم ما يريد. ازداد الفعل المقاوم، ولم يستطع تثبيت نقطة واحدة في جنوب لبنان، وأي مكان دخله نالته القوة النارية للمقاو/مة، وتمت مضاعفة الحزام الناري عبر الصواريخ والمسيرات، وصولا إلى الأحد الأسود، الذي جاء بعده مباشرة هوكشتاين بصيغة وقف إطلاق النار. ووصلت نيران الحزب إلى كل مكان، بل تمت مهاجمة عشاء لجنود جولاني والوحدة 8200 بل الهجوم على غرفة نوم نتنياهو نفسه. أين الانتصار؟ فهل هذا الجيش الذي لم يدخل جنوب لبنان في مواجهة مقاو/مة تعرض لهزات عنيفة قادر على خوض معارك يحقق من خلالها انتصارات؟
أكرر مرة أخرى أن حكاية “أوهن من بيت العنكبوت” تحققت على أرض الواقع، من خلال تثبيت المقاو/مة والإسناد لمعنى “إسرائيل غير الآمنة”. إسرائيل غير الآمنة هي التجسيد العملي لـ”أوهن من بيت العنكبوت”. فصاروخ يمني يدخل مليوني مستوطن إلى الملاجيء.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن معركة الإسناد اليمني مستمرة وبوتيرة مختلفة، وكثر الحديث عن استعداد الكيان المؤقت للهجوم على اليمن، وهذا ممكن وبمقدرته إحداث دمار بهذا البلد، الذي دمرته أصلا حرب التحالف أو ما يسمى عاصفة الحزم، ولكن هل يحل ذلك معضلة اليمن؟ طبعا لا. إن الدمار سيكون ضريبة فقط ولكن سلاح الجيش اليمني لن يصل إليه العدو وهو محصن في الجبال، وما زال اليمنيون يسيرون بخطوة محسوبة أما في حالة الحرب فسيقلبون الدنيا بشكل غير مسبوق، ولديهم قدرات هائلة على الحرب سواء داخل الكيان أو من حيث العمل البحري، إذ لن يقتصر على السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إلى موانيء الأراضي المحتلة ولكن بقدرتهم إغلاق باب المندب عن الكل وتضييق المرور من مضيق هرمز ويدخل كل العالم في أزمة نفط وطاقة.
فالأزمة التي نتجت عن سقوط سوريا وانحياز حماس لمحور سوريا الجديدة لا يعني انتصار الكيان ومن ورائه أمريكا، ولكن ربح جولة في معركة أكبر، لكن عقدة “إسرائيل غير الآمنة” مستمرة، وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أن ثلث سكان الشمال يرفضون العودة مهما كان والثلثين الباقين يتناولون مهدئات ومليون مستوطن دخلوا مستوى “تحت عتبة الفقر” ومستوطنو غلاف غزة لن يعودوا. وهذا سيرافق الكيان المؤقت حتى لو ذهب إلى اتفاقات، وسيكون أمام موجات من المقاو/مة من قبل السوريين، حيث دعا اليوم الحزب القومي الاجتماعي السوري إلى تشكيل جبهة لتحرير الجنوب، وإذا انطلقت حركة التحرير، المتخففة من كل أعباء الحكم والاتفاقيات الدولية، مبنية على الحق في مقاو/مة الاحتلال، فإنها لن تقف عند خطوط اشتباك ولكن تستمر حتى تحرير كل الأرض السورية المحتلة، ولن ينام السوريون على ضيم الوجود الصهيوني وسيذوق المرارة بشكل لم يكن يتصوره.
ما دامت إسرائيل غير آمنة وفي كل وقت وحين، بما أن الجيش لم يقض على المقاو/مة، فإنها ستبقى “أوهن من بيت العنكبوت”، وشطحات سبعة أيام سوف تنتهي. كما أن الحامي والضامن الأمريكي سيكون عليه ثقل تدبير المعارك في سوريا الجديدة.