وجهة نظر

انهيار نظام بشار الأسد ومكر التاريخ عند هيغل: قراءة فلسفية

شهدت سوريا منذ عام 2011 تطورات جذرية بدأت بحراك شعبي يطالب بالحرية والعدالة، وسرعان ما تحولت إلى حرب مدمرة نتيجة القمع الشديد للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، ورغم نجاح النظام في استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية بدعم حلفائه، فإن المشهد الراهن يوحي بانهيار تام  للنظام السياسي، مما يعيد طرح سؤال المصير التاريخي لسوريا.

مكر التاريخ عند هيغل

يعد مفهوم مكر التاريخ  محورياً في فلسفة هيغل، حيث يرى أن التاريخ يتطور نحو غايات عقلانية كبرى، رغم أنه يبدو في كثير من الأحيان وكأنه يسير في عشوائية أو عبر تناقضات، فالإنسان، في هذا الإطار ليس سوى أداة في يد العقل المطلق الذي يحقق غاياته من خلال أفعال تبدو شخصية أو أنانية، لكنها تخدم غايات كبرى تتجاوز وعي الأفراد.

وفق هذا المفهوم يمكن النظر إلى الثورة السورية لعام 2011 بوصفها جزءاً من حركة تاريخية تسعى لتحقيق قيم الحرية والعدالة، وهي الغايات التي يعتبرها هيغل جوهر التقدم البشري، ورغم أن النظام السوري استطاع من خلال العنف والالتفاف الدولي قمع هذه الثورة وإجهاض حركتها الظاهرة، إلا أن ذلك لا يعني نهاية التاريخ أو توقف مساره.

إجهاض الثورة وتأجيل التغيير

حين ننظر إلى إخفاق الثورة السورية في تحقيق أهدافها المباشرة، قد يبدو الامر كما لو أن التاريخ قد توقف عند نقطة معينة، لكن من منظور هيغلي  ما حدث ليس سوى تأجيل للغايات الكبرى التي يسير نحوها التاريخ، فالتاريخ يسير نحو غايات تماما كالقطار يتجه نحو نقطة عندها سيتوقف وما نحن البشر إلا  ركاب ، نتساقط كما تتساقط أوراق الأشجار…

القمع الشديد والصراعات الدولية التي أحاطت بالثورة أدت إلى تراكم تناقضات أعمق داخل النظام السوري نفسه ، فمن جهة اقتصاد منهار يعتمد على شبكات المحسوبية والفساد، مع تدمير البنية التحتية، يجعل النظام غير قادر على الاستمرار،ومن جهة أخرى تصدع سياسي حيث  انعدام الثقة داخلياً ودولياً بالنظام ككيان مستقر، هذا بالإضافة إلى حراك شعبي كامن بالرغم من غياب المظاهرات الكبرى، فإن حالة الاحتقان الشعبي تشير إلى أن جذوة الثورة لم تنطفئ.

وفقاً لهيغل، هذه التناقضات تمثل شروطاً موضوعية لحتمية التغيير، حتى وإن بدا أنه مؤجل، فالتاريخ يسير نحو التحرر، لكن أدواته ووسائله قد تكون غير مباشرة أو مفاجئة.

الإنسان كأداة للتاريخ

من منظور هيغل، البشر هم وسائل لتحقيق العقل المطلق، وهو ما نراه بوضوح في الحالة السورية، فالنظام نفسه  في قمعه الوحشي للحراك الشعبي، أصبح أداة لتفاقم الأزمات التي أدت إلى انهياره.

القوى الدولية، رغم تضارب مصالحها ساهمت في إعادة تشكيل المشهد السوري بطرق لم تخدم النظام على المدى الطويل، خاصة ما يرتبط بحرب روسيا مع أوكرانيا وحرب جنوب لبنان التي أدت إلى استنزاف حزب الله.

اللافت هنا هو أن الثورة رغم قمعها، أصبحت فكرة حية تتجاوز اللحظة الزمنية التي ظهرت فيها، فالمطالبة بالكرامة والحرية ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي قوة متجددة ستعيد تشكيل الواقع السوري في المستقبل.

قراءة مستقبلية: غايات التاريخ

إذا كان التاريخ يسير نحو غايات عقلانية كبرى، فإن سقوط نظام بشار الأسد، لا يمثل نهاية المطاف، الثورة السورية رغم ما تعرضت له من إخفاقات، أعادت تأكيد حق الشعب في تقرير مصيره، هذا الحق لن يزول، بل سيظهر بأشكال جديدة، وهو الدافع المركزي الذي سيقود سوريا إلى الخلاص

إن مكر التاريخ، في النهاية، يحقق غاياته بغض النظر عن التضحيات أو المدى الزمني، فالثورة قد تبدو كأنها فشلت، لكنها وضعت سوريا في مسار جديد يتجه نحو مستقبل مختلف

من منظور فلسفي تأملي، يمكن القول إن ما يحدث في سوريا اليوم يمثل مظهر  من مظاهر  مكر التاريخ-كما تحدث عنه هيغل – إجهاض الثورة لم ينهِ حركة التاريخ، بل كشف عن تناقضات أعمق داخل النظام السوري والمجتمع الدولي. في نهاية المطاف، سيظل التاريخ وفياً لغاياته الكبرى في تحقيق الحرية والعقلانية، وسيكون الإنسان مجرد أداة ضمن هذه الحركة الشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى