أخبار وطنية

11 يناير 1944: وثيقة المطالبة بالاستقلال محطة مشرقة في تاريخ تحرير المغرب

الحنبلي عزيز -متابعة

تعد وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي قدمت في 11 يناير 1944، واحدة من أبرز المحطات في تاريخ المغرب الحديث. شكّلت هذه الوثيقة نقطة تحول في مسار الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، حيث أعلنت بشكل صريح عن إرادة الشعب المغربي في التحرر واستعادة سيادته الوطنية.

وثيقة المطالبة بالاستقلال، تاتي في سياق تاريخي للمغرب تحت الحماية منذ عام 1912، حيث خضعت أجزاء من البلاد للسيطرة الفرنسية وأخرى للإسبانية. وخلال هذه الفترة، حاول المستعمر فرض سيطرته على الموارد الاقتصادية والمؤسسات الإدارية، إلا أن الروح الوطنية لم تخمد لدى المغاربة الذين ظلوا يقاومون بأساليب متعددة، سواء من خلال المقاومة المسلحة في الجبال أو النضال السياسي والثقافي.

في أربعينيات القرن العشرين، ومع اشتداد الحرب العالمية الثانية، بدأت موازين القوى الدولية تتغير، وظهرت بوادر ضعف القوى الاستعمارية. استغل المغاربة هذا السياق لتصعيد مطالبهم بالاستقلال.

فتم العمل على إعداد وثيقة المطالبة بالاستقلال من قبل قادة الحركة الوطنية المغربية، وعلى رأسهم أعضاء حزب الاستقلال. جاءت الوثيقة لتعبر عن تطلعات الشعب المغربي إلى التحرر من الاستعمار، ورفعت المطالب التالية:

  1. استقلال المغرب التام: مطالبة بإلغاء نظام الحماية واستعادة السيادة الكاملة على الأراضي المغربية.
  2. إقامة نظام دستوري: دعوة إلى وضع دستور يضمن الحقوق السياسية والمدنية لجميع المغاربة.
  3. تعزيز العلاقة بين العرش والشعب: التأكيد على الولاء للسلطان محمد الخامس باعتباره قائد الحركة الوطنية ورمز الوحدة المغربية.

تم تقديم الوثيقة إلى السلطات الفرنسية في 11 يناير 1944، كما وُجهت نسخ منها إلى عدد من التمثيليات الدبلوماسية الأجنبية. تزامن تقديم الوثيقة مع حراك شعبي واسع في مختلف مناطق المغرب.فلقيت الوثيقة تأييدًا واسعًا من مختلف شرائح المجتمع، وشكلت محطة لتوحيد صفوف الوطنيين.

في المقابل قابلت السلطات الاستعمارية هذه الخطوة بالقمع الشديد، حيث شنت حملة اعتقالات واسعة طالت قادة الحركة الوطنية، وفرضت قيودًا صارمة على حرية التعبير والتجمع.

ورغم قمع السلطات الاستعمارية، شكلت الوثيقة نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من النضال. فبعد سنوات من الاحتجاجات الشعبية والمقاومة المسلحة، اضطرت فرنسا وإسبانيا إلى الاعتراف باستقلال المغرب سنة 1956.

و كان وراء إعداد وثيقة المطالبة بالاستقلال نخبة من الشخصيات الوطنية البارزة التي لعبت دورًا محوريًا في قيادة الحركة الوطنية المغربية. نذكر من بين هذه الشخصيات :علال الفاسي: أحد أبرز زعماء الحركة الوطنية ومؤسس حزب الاستقلال.و الذي  لعب دورًا فكريًا وتنظيميًا بارزًا في صياغة الوثيقة والترويج لفكرة الاستقلال.

ومحمد اليزيدي: أحد قياديي الحركة الوطنية، ساهم في التعبئة الشعبية لدعم الوثيقة.وأحمد بلا فريج: من مؤسسي حزب الاستقلال وأحد المفاوضين الرئيسيين مع سلطات الحماية الفرنسية.وعبد الخالق الطريس: زعيم الحركة الوطنية في الشمال المغربي الذي خاض نضالًا ضد الاستعمار الإسباني.

وكان للسلطان محمد الخامس دورا داعمًا قويًا لوثيقة المطالبة بالاستقلال. ورغم الضغوط التي تعرض لها من طرف المستعمر، لم يتراجع عن مواقفه الوطنية، بل جسد دور القائد الذي التف حوله الشعب المغربي. وقد ألقى خطابًا شهيرًا في مدينة طنجة سنة 1947، طالب فيه بالاستقلال ووحدة التراب المغربي، ما عزز الالتفاف الشعبي حول العرش.

تمت صياغة الوثيقة بعد مشاورات مكثفة بين مختلف قادة الحركة الوطنية، حيث ركزوا على إعداد نص يعكس مطالب الشعب المغربي ويعزز الروابط بين العرش والشعب. كما حرصوا على إرسال نسخ من الوثيقة إلى التمثيليات الدبلوماسية للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا لتدويل القضية المغربية.

و تعتبر ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال مناسبة وطنية يحتفل بها المغاربة سنويًا. إنها تذكر بقيم النضال والتضحية التي أبان عنها الشعب المغربي في سبيل حريته. كما تسلط الضوء على دور الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات، وهو درس مهم للأجيال الحالية والمستقبلية.

في الاخير تبقى وثيقة المطالبة بالاستقلال رمزًا للإرادة الشعبية المغربية في التحرر والسيادة. إنها تذكرنا بقدرة الشعوب على تحقيق أحلامها مهما كانت التحديات، وتؤكد أن النضال المستمر والصمود يمكن أن يقودا إلى تحقيق الحرية والكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى