في نقض بعض ما تطرق له مؤلف المعتصم (الجيوسياسيا تليق بالنهضة… والمقاومة /الجزء الأخير)-ذ.عبد الواحد حمزة

سنعالج فيما تبقى ثلاثة نقط، أولا مناقشة بعض ملامح النظام السياسي- الأمني، والاقتصاد المغربي، ثانيا لازمة علاقة السيطرة/ الاستقلال الملتبسة مع المستعمر القديم- الجديد: فرنسا، وثالثا بعض ملابسات ورهانات التطبيع الرسمي مع إسرائيل والموقف الشعبي المغربي، فضلا عن خاتمة، لكل عمل الأستاذ التهامي المعتصم حول دول في مهب التحولات الجيوستراتيجية (2021-2022)، وهو العمل الذي تقدمنا به للترحيب به ولمناقشة بعض أفكاره، نقاشا نقديا، على إثر نشاط لفرع تمارة للحزب الاشتراكي الموحد. (الجمعة 13 دجنبر 2024).
تطرقنا في الجزء الأول من هذا القسم الثاني والأخير إلى بعض الرهانات والملتبسات الطاوية في ثنايا تلك الرهانات والتناقضات الجيوسياسية، بالذات، و بالضبط فبما يخص التاريخ السياسي والاجتماعي للمغرب والجزائر، شعوبا وحكاما، بما فيه تبعية القرارات السياسية لمتطلبات ومصالح القوى العظمى ومريديها، في الداخل، دون سد وافر و أولوي للحاجيات الأساسية للرعايا/ المواطنين/ات.
والقاعدة في ذلك، اعتماد سياسات اقتصادية- اجتماعية- ثقافية، نيوليبرالية، وغيرها، ناعمة أو عنيفة، الحرب الباردة أو “الساخنة”، واختلاق مشاكل حقيقية أو مفتعلة، مصطنعة كالفقر والجوع والخوف والرعب،….يتلف ويتخبط فيها معظم الشعب المغربي، بموازاة عكسية مع نخبوية الثراء والفساد والريع …للحاكمين، ولمن تولاهم…!.
كما تساءلنا –أيضا- فيما إذا يسمح كل ذلك الدهاء والآليات الجهنمية المعتمدة من طرف السلطة/ المخزن وكل الأوليغارشيات الحاكمة قهرا إلى معاودة إنتاج الأنظمة السائدة، من عدمه، أو حدود ذلك، و سنحاول، الآن، في الجزء الثاني من القسم الثاني والأخير، أن نتطرق بإيجاز كبير إلى مدى نجاعة منهج التحليل الاستراتيجي الذي اعتمده الكاتب في دول في مهب التحولات الجيوستراتيجية الراهنة ….، باعتماد بعض الدول، كأمثلة، لا كلها، وعلى رأسها، مثال المغرب، فرنسا- إسرائيل…
وهو ما سنقوم به، أولا، بتخصيص جزء من المناقشة العامة للوضع الاقتصادي- السياسي- الأمني المغربي، وثانيا باعتماد بعض تداعيات العلاقة مع فرنسا، المستعمر القديم الجديد، و الذي ألف خدمة مصالحه على ظهر المغرب، وثالثا وأخيرا رهانات وتناقضات التطبيع/ الركوع للكيان..
II.2.1: في مناقشة بعض ملامح النظام السياسي- الأمني- العسكري والاقتصادي المغربي
كثيرا ما يسود بين أطراف النخبة السياسية أو المثقفة أو الأكاديمية المغربية مفاهيم إشكالية لتحديد المسافة الموجودة بين الدولة والمجتمع المغربي، فيما هي ميالة للتطابق أو للتباعد، مدعوة للدمقرطة من عدمها، ضدا على الفساد وشقيقه الاستبداد، مثلا. ومن بين تلك المفاهيم- الفرضيات، “ّ الهرس” (بوعزيز م.) أو ” المجتمع ضد الدولة” (رشيق ح.)، بل وحتى” الدولة- المخزن المركزي ضد المجتمع/ الوطن/ الجهة/ المنطقة” (حمزة ع.)، إلخ.
يهمنا في هذه النقطة أن نتساءل عبر التاريخ السياسي لبلادنا أو اعتمادنا على “محطات/ شروخ” مثالية- معيارية، كتلك التي طالت شعوبنا، من أمثال ” القمع المفضوح” أو الاعتقال التعسفي، أو حتى في ظروف سياسية تاريخية دقيقة خاصة، ” الإبادة الجماعية/ الإقبار الجماعي”، مما يجعلنا نتساءل، بالمقارنة ما يقع في العالم ( فلسطين اليوم، المغرب في ظروف خاصة جدا،….)، عن كونية المفهوم وتميزه التاريخي المرتبط بالأنظمة الشمولية، أو في طور تأسيسها، أو امتداداتها الاستيطانية، كالكيان في أرض فلسطين، مثلا.
وهو ما يسائلنا أيضا عن حدود الديمقراطية ببلدنا، بل وحدود استقلالها، كمجال يولي الأولوية للسياسة على الاقتصاد، في ما هي موضوعات بنيوية وسلوكية منقوصة البنيان والتكوين الجيني السياسي وتطوره، وذلك في نقطتين:
- بنية الهرس بين المجتمع والدولة أو التعارض الأقصى
- بعض تجليات مفارقات سلوك النخبة المختلفة
2.1 II.: بنية الهرس بين المجتمع والدولة أو التعارض الأقصى
(…..)و إن كان قد تطرق كتاب الأستاذ مصطفى المعتصم لحالة المغرب، فيما يهمنا مباشرة، ربيعه، وتاريخه السياسي الما- قبل- استعماري، فقدم صورة يتيمة و”مقرفة”، -الوحيدة- في الكتاب، اختارها بعناية، لهمجية فرنسا الاستعمارية، قاطعة رؤوس المقاومين المغاربة، قصد -ربما- استعداء الشعب المغربي لها.
وهي حقيقة تاريخية قاطعة، لا مفر منها، تم التركيز عنوة عليها، تماما كما أوضح المؤلف بالنسبة للجزائر، التي ألحقت لما يزيد عن 130 سنة بفرنسا، كيف أنها اليوم في مفترق الطرق بين المصالحة مع نفسها أو السقوط في مستنقع الخلافات الداخلية، وكيف أن نخبتها فشلت في بناء دولة عصرية ديمقراطية، فلجأت للتجريبية والالتقاطية، لضعف وفساد نخبها، والحقيقة أنها تعاني من ضياع تاريخها، وإن بإمكانها، رغم كل شيء، أن تتحول إلى قوة توازن وأمن وسلام (ص 135-136). لكن لا يبدو أنها رسالة تنفع في عالم العداوات الثابتة وضرورة الصواب..، كما يقول المثال المغربي الدارج !!
كما تطرق بعدئذ إلى حقبة ما بعد ذلك، إبان الوضع الحالي، دون نقد صريح للنظام المغربي، و دون حديث أو “صور إجرامية”، ولا واحدة أيضا، عن إحداث حقبة الجمر و الرصاص الأليمة (1956-1999)، وملابساتها….
(….) عجبا، وهو واحد ممن عانوا من ظلم المخزن و بطشه، لتطول -للتو- سجون تمارة الإسلاميين- أو كما سماهم النظام “بالسلفيين” أو “الجهاديين”، وقد ذكرتني هذه الإيحاء/ “الدورة الشيطانية” برجل مكلوم في فقدان زوجته يختار من بين- العزايات…، على من هم في الدور، كما نقول في المثال الشعبي !!
إنهم المتهمين بالإرهاب/ 2003 ، “كلهم على بعضهم وبدون تمييز يذكر وبالآلاف”، حتى أن ملك البلاد اقر لمجلة البايس الاسبانية، حينها، ب”حصول تجاوزات” محققة..!!. و بعد أن طال الاعتقال التعسفي الكم الهائل من المظلومين، ومن فعلوا وتورطوا، حقا، حسب تعبير المعتصم في الندوة، لكن ما هو أهم في نظره، أن يعرف من كان وراءهم، و من أطر الضحايا وساعدهم، وهو على حق في ذلك…!
ولعل في هذا ما حفزه وآخرون لتأسيس تنسيقية المعتقلين المعفى عنهم، من اجل الدمج و رفع وجبر الضرر، كيفما كانت انتماءاتهم السياسية السابقة أو اللاحقة، خاصة أن أحكاما قضيت في حقهم، و”انتهى الكلام”، وليس هناك عود !!
للمفارقة، كان ذلك، بداية الانفراج السياسي المزعوم، بالذات، و في وقت يتم الإفراج على يساريين، بعينهم، ترتيبا لما سمي آنذاك، و على اثر فورة وحماسة الانطلاقة المظفرة “للعهد الجديد”/ بصعود الملك محمد السادس- ملك الفقراء،/ و صعود حكومة التناوب التوافقي/ اليوسفي لتدبير الشأن العام، بعد أربعين سنة من إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم الوطنية- التقدمية!.
وسيتعلم صديقنا/ الكاتب الدرس- التقدير، وان بعد حين وعلى مضض، خاصة وأن النظام الحاكم عاد وجدد أسلوب استبداده، ليتجاوز من جديد -سلبا- التزامه “المبدئي” السابق بحقوق الإنسان الكونية وبمتطلبات العدالة الانتقالية !، وهو النظام الذي يبرر ذلك ضمنا، أو لا يحتاج إلى ذلك، بتغير الظرفية الدولية المفاجأة ( أحداث البيضاء ومراكش، بداية العهد، قانون الإرهاب….. ) ، ناسيا أن لا ائتمان للنار والمخزن…!!
كما سبق الرجل وأن سجل و وضع في الكتاب إشكالية الديموقراطية، إعاقتها من فشلها، وأشار في أكثر من لقاء/ 26 نوفمبر 2024، بمقر الحزب الاشتراكي الموحد، بتمارة، و في أكثر من وقفة وكلمة تصريح أو مسيرة احتجاجية، إلى ضرورة تطبيق توصيات هيئة الإنصاف، و وضع المصالحة السياسية / 2005 في صلب إشكالية التنمية بالبلاد، باعتبار هذه الأخيرة ” حزمة متضافرة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، (ص. 122، مرجع المؤلف).
بل ودعا بعض أعضاء التنسيقية المستحدثة، تلك، إلى جدوى إعادة المحاكمات، لتكون عادلة، حقا، و ضرورة التفكير في آلية إنصاف ومصالحة جديدة، بعيدة عن الموضة. وهو ما يعني -في كل الأحوال- انتعاش سردية راديكالية سلبية، في أن مغامرة إعادة ما جرى ممكنة، وأن القطع النهائي مع سنوات الجمر لم يتم بالمرة، وأن احتمال تكرار ما يشبه أحداث 23 مارس 1965 لازال متوفرا، وأكثر مع تأزم/ خوصصة كبيرة للقطاعات الاجتماعية، من صحة وعمل وسكن وتعليم، أكثر مما دعا إليه وزير التعليم وغيره في ما مضى، فضلا عن طحن جيش التحرير في عملية إيكوفيون الشهيرة 1958 (محمد بنسعيد آيت إيدر، التحالف الفرنسي- الاسباني في معركة إيكوفيون في الجنوب المغربي، مركز دراسات بنسعيد، 2021).
نفس المصير يرتقب – ربما – مستقبل الديناميات الاجتماعية الفئوية والمناطقية، إذ أن ظروف أحداث شهداء كوميرا/ 1981 و مصير “المقابر الجماعية” و نزول العسكر إلى الشوارع واحتمال الاختطافات والاغتيالات لازال قائما وأكثر، وقبلهما كليهما، جراح انتفاضة 23 مارس 1965 التي خلفت ما يقارب الألف قتيل وجرحى ومقابر جماعية سرية (بوعزيز مصطفى، مقدمة المرجع أعلاه) جراح أحداث 1958 الثاخنة بالريف المغربي- شمال المغرب، والتي لازالت لم تندمل، بعد.
ويبدو أن الزمن قد وقف كالمسمار عند هذا التاريخ، إذ أن سحق الانتفاضة جاء مُعَاوَداً، وإن بأسلوب آخر، لإستتباب الأمن والاختيار السياسي المسيطر، على إثر التهميش والفقر والغبن السياسي، لما عرفه حراك الريف المجيد ذات 2017، يكفي التذكير، كمن يضع أصبعا على جرح، بمطلب مشفى ومدرسة عليا، من بين 15 مطلبا لتلك الانتفاضة المدنية السلمية لسنة 1958 (انظر ميثاق النخبة الريفية، 15 مطلب- وثائق جمعية ذاكرة الريف) عاد وتكرر في هذا الحراك الريفي السلمي الأخير حيث القصاص قاسي والقمع شرس ولا رحمة فيه، في آخر المطاف.
كان قد صعد في ذلك التاريخ الجينرال الحربي أوفقير، بمعية القائد- ولي العهد آنذاك – الحسن الثاني، وبتوجيه من ملك المغرب آنذاك، محمد الخامس، ليسقطوا من أعلى الطائرة- الهيلوكبتير، وبحضور مـحمد مزيان (وليس الحاج مـحمد امزيان سلام)، وبمباركة الغرب، فرنسا ألمانيا اسبانيا وهولندا (انظر أطروحة المؤرخ- الأنتربولوجي الأمريكي دايفد هارت بنغومري… حول بني ورياغل مسقط رأس الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي) مئات الضحايا السلميين.
وذلك، تماما كما عرف الزفزافي ورفاقه اليوم السجن لعشرين سنة، من أجل المطالب إياها، اجتماعية وبيئية وثقافية في إطار إدارة جهوية ريفية- وطنية، وقد لفق إليهم الانفصال المزعوم والمقرف !، لتنضاف لما خلفه “النابالم السرطاني” للعدوان الإمبريالي الفرنسي- الاسباني من أثر على أهل وفي نفس وجسد وذاكرة الريف- الحسيمة والجوار ، أعقاب حرب جمهورية الريف التاريخية: 1921/1926….!!?
تعتبر إيكوفيون / “الممسحة” بالاسبانية أهم هزيمة عسكرية لجيش التحرير المغربي، تزامنت مع ذلك مع نصر سياسي رمزي للمغاربة، حيث انضم قادة موريتانيا للمقاومة في المغرب، وطالبوا بجلاء فرنسا وإعادة موريتانيا لحظيرة الوطن الأم.
لقد قرر جيش التحرير بالجنوب المغربي إعادة نفس الإستراتيجية الحربية التي مارسها في شمال المغرب (1953-1955)، حيث قرر مواجهة الجيش الاستعماري الفرنسي، انطلاقا من مناطق نفوذ القوات الاسبانية من موريتانيا والصحراء الشرقية وتندوف.
وبالرغم من عمليته الجريئة والناجحة، تحالفت القوة العسكرية الاسبانية، بإيعاز من مركز الدولة المغربية الناشئة، لمحاصرته وتدميره، ما يزيد على 3000 مقاوم، فضلا عن قوى الجيش التحريرية بالصحراء الشرقية/ جنوب المغرب، مستعملة وحدات حربية مشتركة مدمرة. ورغم ذلك استمرت عملية جيش التحرير ضد القوات الاسبانية إلى أن غيرت نسبيا من ميزان القوى والتفاوض في الميدان.
لقد رجحت إمكانية حقيقية لإجلاء الإسبان من الصحراء الغربية. لكن ما لبث الميزان أن اختل مرة أخرى ضدها لتهزم سياسيا- من داخل المغرب- حيث انقسامات حركة التحرر الوطني المغربية على بعضها، لتعمل المصالح العسكرية والأمنية للسلطة المتضافرة، والقصر على وجه الخصوص، على تصفيته بالجنوب وتشتيت وحداته وسجن قادته والغربة في المنافي. (المصطفى بوعزيز، مقدمة كتاب بنسعيد عن إيكوفيون، 2021).
إنه الشنآن الذي ينم عن انفصال و” هرس” واضح ( المؤرخ بوعزيز مصطفى، ندوة الحراك الشعبي….التي نظمها فرع حزب الاشتراكي الموحد، بمناسبة مرور سنة على وفاة القائد إبراهيم ياسين، الأحد 22 دجنبر 2024) بين دعوات ومطالب ومصلحة المواطنين والوطن، من جهة، و “قوة الدولة” المغربية، من جهة أخرى.
إنها القوة المتجلية في مصلحة وتعسف النظام السياسي/ التحكم المخزني الجديد، وفي ذلك هشاشته، في رأينا، لا قوته. وقد نفترض عكس ما دفع به عبد الرحمان رشيق ( 2016) من أن المجتمع ضد الدولة إلى أن الدولة المخزنية هي من ضد المجتمع، وليس العكس.!
هكذا سيكون المغرب قد ضيع عليه فرصتين، على الأقل، لبناء مدرسة عسكرية ذات قيمة في العالم العربي وفي إفريقيا، فرصة وأد جيش محمد بن عبد الكريم الخطابي في الشمال، أولا، وحل جيش التحرير المغربي وتجريده من السلاح، بإيعاز من الأمير المولى الحسن، آنذاك، وإهدائه للثورة الجزائرية، ثانيا، وهو القسم الذي لازال يرغب- آنذاك- حمل السلاح اختار أن يكون نواة الجيش الملكي، أولا وقبل كل شيء.
وذلك كان لتأسيس جيش ملكي منضبط للنظام السياسي القائم، لينضاف إلى المحاربين المغاربة المحترفين، الذي كانوا في صفوف الجيشين الفرنسي والإسباني، بعد أن تمت تصفية/ إبادة من نزلوا بسلاحهم من جيش التحرير لتحرير الجنوب، الصحراء الشرقية والغربية وموريتانيا، لربط الكل بالوطن الأم- المغرب، وملاحقة من انفلتوا من الوحدات المشتركة للجيشين الاستعماريين المدججة بوابل القنابل والرصاص، فضلا عن من زج بهم في السجون أو فضلوا المنافي.
هكذا سجل المغرب استثناء في أن” كل الوحدات المسلحة للتحرير في العالم شكلت النواة المؤسسة للجيوش الوطنية” (بوعزيزم، ص.10 إيكوفيون 2021)، إلا في بلادنا. كما أن الخلاف حول طبيعة الاستقلال المنشود في صفوف القيادة خلق” تعارضات ستضعف الوطنيين وستؤدي إلى تهميشه في مفاوضات الاستقلال المنقوص، وستقسم، كما ذُكر، جيش التحرير والمقاومة وسترهن مستقبلهما داخل الدولة الوطنية”. كما يوعز بنسعيد آيت إيدر، ذلك، أيضا إلى الضعف العام لمستوى الفكر وللحنكة السياسية الهجينة للنخبة الوطنية، فضلا عن التصفيات الداخلية النكراء بين القيادات الوطنية، الحاملة منها للقلم أو للسلاح على السواء. (بنسعيد، إيكوفيون 2021)
2.2II.: بعض تجليات مفارقات سلوك النخبة المختلفة
(…) كما و أكد المؤلف- أيضا- على خطأ إعطاء الأولوية للاقتصادي، في الزمن المغربي الراهن، منسجما ومحاولا تموقعه الجذري الواضح مع اختيار الصف الديمقراطي المغربي، على علاته. والحال أن الأمر وما فيه، (1981/1984 وما بعد، واقع اجتماعي بئيس واعتماد رسمي خفي على تقويم اقتصادي- مالي هيكلي آخر، دون الجهر به، علنا، ونوع لمسلسل فاجر من فيلم أخر، أداة المخابرات فيه قمع خفي، هذه المرة: “مسدس رصاص صامت” يضرب بالتحرش، وغيره !؟.
لقد اختار عهد الملك محمد السادس الإستراتيجية الاقتصادوية-المالية، بما فيها “قروض رحيمة” بتطور اقتصادي بطيء وثقيل، جهارا، و منذ توليه الحكم ( انظر كتاب زكية داوود، المغرب وفرنسا،…. المقارن/ 2024).
وقد أكد المؤلف ذلك، على حساب “السياسي”، طبعا، وهو اختيار ملكي، على عكس ما كان عليه عهد أبيه، الحسن الثاني، الذي عجب بالملكية التنفيذية، أيما تعجيب، وفتح هوامش “ديمقراطية حسنية”، ما لبثت أن ضاقت…. لكن كيفما كان الحال، كان للسياسة، وللأحزاب وللمعارضة…..”شيء من المعنى”. !! .
(…) ذلك وإن لم يكن دستور المملكة، ما قبل 2011، يشير -لا من بعيد ولا من قريب- لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الدستوري، والذي كان من ثمار ضغط حركة 20 فبراير المجيدة، في سياق إقليمي خاص، على الأقل على الورق/ النص!!
ولم يفت المؤلف أن ذكر بكلمة مأثورة للراحل الحسن الثاني، حين قال في المتن/ المؤلف: “المغرب دولة حتى قبل أن تنوجد فرنسا كدولة ” !، في تفاخر مزيد له/ للكاتب ب”قادة” بلده، و برصيد الأمة المغربية المؤسسي التاريخي الطويل، وانتماءها الحضاري العميق، ورأسمالها اللامادي السحيق،….. وفي هذا كثير من الحقيقة، إذ كيف لبلد أن يَصُدَّ الأمويون والعثمانيون وأن يصل بجيوشه إلى حدود فرنسا، إذا لم تكن له دولة قوية عظيمة وممتدة الأطراف، كالموحدين والسعديين، مثال على ذلك.
لكن الإشكال اليوم في أن يغط المغرب في النوم وتصبح سيادته على أجزاء من ترابه مهددة بأطماع عولمية، وأخرى تاريخية تجرها منذ استقلال المغرب السياسي، خاصة وأن الاستعمار لم يكن بانيا، دائما، وإنما مدمر لتطور بلدنا الطبيعي، ولم يمهلنا منذ فشل التناقضات الرأسمالية المركزية، وتطلع قواها نحو استيطان واستغلال شعوب وأراضي وأوطان ما أصبح يعرف بالعالم الثالث، التابع والمتأخر.
وبغض النظر عن صحة دقة الوصف، من نجاعة وجهة النظر هذه، ومن السيبة- تاريخيا- التي سادت مناطق عديدة في أطراف دولة المخزن المركزية، يبقى السؤال وجيها حول مدى حسن استثمار كل هذا الإرث الحضاري القوي من عدمه، قراءته القراءة النقدية البناءة اللازمة، مع ما يتطلب كل ذلك من الأخذ بالإستمراريات والقطائع الضرورية، ….
ذلك وإن لن ينفع كل “الثناء الماضوي” على حقبة تاريخية بعيدة جدا، مع تغير الأوضاع، اليوم، جذريا، عالميا، إقليميا و وطنيا، قصد “الاستجابة للمطالب الملحة والحاجات المتزايدة للشعب المغربي،… مع تعاظم الفوارق ببن الفئات والجهات”( مقتطف من خطاب الملك/ أكتوبر 2017)، منذرا ببؤس العدالة الاجتماعية والمجالية والانتقالية بالبلاد…، وبإفلاس النموذج التنموي المتبع منذ بداية العهد الجديد، وتيه الاقتصاد الوطني والعالمي على الأقل منذ 2008.
وتكفي الإشارة إلى تنصل حكومة أخنوش الحالية، أخيرا، من مشروع قانون المعروف ب: “من أين لك هذا….؟” و الدمج المفضوح للسلطة بالمال، على غرار استفادة رئيس الحكومة الحالية من صفقة تحلية ماء البحر الأخيرة، في خلط الدستوري سافر للسلط والوظائف، و التضييق على تحرك وعمل الجمعيات الحقوقية، وتعليق الوصولات النهائية لبعضها، كالهيئة المغربية لحقوق الإنسان، لما يزيد -الآن- عن خمس سنوات، و التبرير موجود في فضاء يعمل على خنق الحريات الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها، ما دامت وزارة الداخلية منوطة- لوحدها ورسميا- بالتفتيش والتبليغ عن الفساد..وضبط الإرهاب والهجرة، وغيرها ، فلا مجال لدينامية المجتمع المدني…!!!!
لقد أكد الكاتب بعض ذلك، لتجنب ما أسماه “العبث واللامعنى” في الحقل السياسي المغربي، والفاعلية الهجينة لمفهوم “الاستثناء المغربي”، و حدود إمكانية تغيير البلاد من الداخل، وسريالية العقاب الشعبي الانتخابي ضد الخيار النيوليبرالي الممتد، و لزوجة الانقلابات السياسية الانتخابية الناعمة/ سبتمبر 2021، وسياسات التفكيك واستشراء الفساد، فقفل هذا الانقلاب المدروس قوس حركة 20 فبراير، نهائيا، والبلطجة وتوظيف الإعلام العمومي المتحيز للسلطة، واستعمال المال الحرام لشراء ذمم الفقراء، ….وهو ما يسمح، في رأينا، بتأكيد الدليل على غياب أو دمار الجبهة الشعبية الوطنية الداخلية.
لقد كنا، على المستوى المجتمعي- الداخلي، أمام انقلاب انتخابي- سياسي أحكم الطوق الناعم على مطلب حركة 20 فبراير وعلى شرعية النضال و المقاومة الشعبية، فئوية، حقوقية مدنية وحزبية حية…. ويتم ذلك أمام تجاهل للتواصل و تمييع للحوار و تماطل الاستجابة للشغيلة والطلبة و غيرهما ( انظر خروج نقابة س.د.ت للتظاهر ضد قانون الإضراب المكبل/17 دجنبر 2024.) والوقفة/ المسيرة الموقوفة من طرف السلطات ليوم الأحد 30 دجنبر 2024، والتي دعت إليها النقابات بالرباط.
ومن آليات السيطرة المعهودة، تلك، الكلاسيكية منها والجديدة، إنتاج وإذكاء الفتن ببن الطبقات والأفراد والأجناس ( الأفارقة- المغاربة) والجنس/ (مدونة الأسرة) والتشهير
و بعث واحتراب الإثنيات والقبائل و ووصم الجهات والمناطق، كتخوين حراك الريف، مثلا، أو ادعاء “توريط الشيعة/ المزعوم، من عدمه” في بعض تخوم أو محيط صحراء المغرب لتدريب البوليزاريو، والقمع البوليسي، أو محاكمة صحفيين بقانون جنائي.
وكأمثلة للتقنيات على ذلك، التخوين لحراك الريف، وبناء فخ صلاة الجمعة المعروف في حق زعيم حراكه، في تعبئة فجة لعواطف المغاربة، عموما، اعتمدتها وباركتها الحكومة/ الدولة، آنذاك، لترتيب وقصم ظهر الحراك الشعبي فيه، مثلا.
كل ذلك وهذا جزء منه، فقط، يتم لإضعاف وتمييع الجبهة الداخلية،….و خلق شرط و واجب إطلاق الاحتكام الدستوري والفصل -في النهاية- للقصر، للنظام السياسي المأزوم، في قلب واضح لأولويات الظرفية وللمتطلبات الحقيقية للمجتمع المغربي، من تربية وتعليم وصحة وشغل وكرامة(…)، من جهة أخرى.
والنتيجة الحتمية لكل ذلك، أكان في الداخل المغربي، أو في العلاقة مع خارج البلاد، تعاظم اللامعنى السياسي من جديد، مؤشرا بعزوف جماعي على الانتخابات وعن الانخراط في الأحزاب، و مأزق التطبيع/حرج التركيع مع /وللكيان الصهيوني، وانخفاض القوة البشرية والخصوبة للمغاربة، و الطمع في اعتمار تعسفي للموقع الجيوستراتيجي السيادي لأرض المغرب الحرة، وملابسات ورهانات القضية الترابية الوطنية والتلويح الفج بإنشاء فيدرالية مع موريتانيا/ المغربية الأصل والتاريخ والهوية…! ما هو منبأ بتغير قادم في الجيوستراتيجية لأفريقيا والوطن العربي والمغارب،…!!
عبد الواحد حمزة، كاتب عام الاشتراكي الموحد وعضو مجلسه الوطني
مراجع:
- المصطفى المعتصم، دول في مهب التحولات الجيوستراتيجية، 2021/22، المغرب،
- كيبيل جيل، انقلاب العالم، ما- بعد السابع من أكتوبر، 2024، باريس، فرنسا،
- زكية داوود، المغرب- فرنسا، أكاذيب وأحكام مسبقة، 2024، لاكروا دي شو مان… المغرب،
- مجلة زمان، عدد خاص 78 عن الجزائر، 2021، المغرب،
- احمد الطالبي المسعودي الجزائر، حكاية عشق، 2023، المغرب،
- سعد بنسعيد في حوار نفسي اجتماعي مع مجلة صوت المغرب الرقمية، 2024، المغرب،
- خطاب ملك المغرب، اكتوبر، 2017، حول فشل النموذج التنموي والتطلع إلى نموذج تنموي جديد، البرلمان، المغرب، انظر أيضا الخطاب الأخير للملك بمناسبة افتتاح البرلمان، اكتوبر، 2024.
- ندوة الاعتقال السياسي بالمغرب بين رد الاعتبار وطي صفحة الماضي، 26 أكتوبر 2024، تمارة، المغرب.
- حمودي عبد الله، حوار ، حول باسكون بول والعلوم الاجتماعية، المجلة الرقمية “صوت المغرب”، اكتوبر، 2024، انظر أيضا درسه الافتتاحي الثاني بمركز الجابري عابد محمد، أي علوم إجتماعية نريد!؟ نوفمبر، الرباط، المغرب، 2024.
- ابراهيم ياسين، سلطة مغربية في غرب الجزائر، دراسة تاريخية 1830 – 1832, المغرب، 2015.
- ندوة الحراك الشعبي، الريف نموذجا، الحزب الاشتراكي الموحد، الأحد 22 دجنبر 2024، تمارة، المغرب.
- ع. الرحمن زكري، مقدمة- عتبة العدد 17, مجلة الربيع، مركز بنسعيد.. ، 2024، المغرب،
- محمد الزهراني، الربط الاندماجي بين المغرب وموريتانيا في “نظام فيدرالي مشترك”، هسبريس، الجمعة 29 مارس، 2024.
- سان تزو، فن الحرب، فلاماريون، باريس، 1999،
- بوب وود ورد، الحرب، 2024، باريس، فرنسا.
- محمد بنسعيد آيت إيدر، التحالف الفرنسي- الإسباني في معركة ” إيكوفيون” بالجنوب المغربي، 2021، مركز محمد بنسعيد آيت إيدر للأبحاث والدراسات.
- المصطفى بوعزيز، مقدمة كتاب بنسعيد عن إيكوفيون، سبتمبر، 2021.