وجهة نظر
نثر تأملي في معنى الصبر

القرآن الكريم منهج حياة، يضيء دروبنا وسط ظلمات المحن، ويغرس في قلوبنا الأمل والرجاء والطمأنينة. ومن الآيات التي تحمل معاني عميقة عن الصبر والابتلاء، قول الله تعالى في سورة البقرة:
“وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)”
الابتلاء قانون إلهي في الحياة
تبدأ الآية بتوكيد قوي “وَلَنَبْلُوَنَّكُم”، أي أن الابتلاء سنة كونية، لا مفر منها. لكنه ليس عذابًا، بل اختبار وامتحان، به يُعرف الصادق من المدعي، والصابر من الجزع.
وتتعدد أنواع الابتلاءات منها:
الخوف: وهو أشد ما يضعف النفس البشرية، إذ يعطل العزيمة، ويقيد الإرادة.
الجوع: الذي يمثل الحاجة الأساسية للإنسان، وبه يُختبر مدى شكره وصبره.
نقص الأموال: يُعد فقدان الرزق ابتلاءً يختبر القناعة والتوكل على الله.
نقص الأنفس: بفقد الأحبة، وهو امتحان للمشاعر والروابط الإنسانية.
نقص الثمرات: أي ضيق الأرزاق، وهو اختبار للرضا بالقضاء والقدر.
تأتي البشرى الإلهية،وسط هذه الابتلاءات، : “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”، وكأن الله يريد أن يطمئننا بأن من يصبر سيجد في النهاية الخير والبركة والرضا.
والصابرون الحقيقيون لا يجزعون عند المصائب، بل يقولون بثقة ويقين:
“إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”،
اعترافا بأنهم مِلكٌ لله، وأنهم في رحلة قصيرة، وما يفقدونه في الدنيا سيجدوه عند الله خيرًا وأبقى.
والصبر هو طريق للهداية والرحمة، فمن يصبر يحصل على:
صلوات من الله: أي ذكرٌ وثناءٌ في الملأ الأعلى.
رحمة إلهية: تطمئن القلب وتمسح عنه الآلام.
الهداية: فالابتلاء والصبر يقودان إلى البصيرة واليقين بالله.
فيا من ضاقت به الأيام، وتكالبت عليه المحن، لا تبتئس! فإن وراء العسر يُسرًا، وخلف كل دمعة حكمة، وبين ثنايا الألم لطف خفي. ربما يأخذ الله منك شيئًا ليعطيك ما هو أعظم، وربما يمنعك ليحميك. فاثبت، وقل بثقة: إنا لله وإنا إليه راجعون، فبهذا القول تُطفأ نيران الحزن، وتُفتح لك أبواب الرحمة.
هذه الآيات العظيمة هي منهج حياة. تعلمنا أن الدنيا دار اختبار، وأن من فهم سر الابتلاء وأدرك قيمة الصبر، فاز بنعيم الدنيا والآخرة. فحين تواجهك المحن، تذكر وعد الله: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”، وثق أن بعد الليل فجرًا، وبعد الدمع بسمة، وبعد الصبر نصرًا.
هشام فرجي