ثقافة و فن

شهادة ذ عبدالواحد حمزة ” ظل ذ بنسعيد رمزا شامخا من رموز الوطن”

 غادرنا الرفيق الأستاذ محمد بنسعيد صباح الثلاثاء 6 فبراير 2024 عن عمر يناهز 99 عاماً، بعد مسيرة كفاحية طويلة ومشرفة بتعدد مجالاتها. قاوم الاستعمارين الفرنسي والإسباني وأذنابهما، من أجل تحقيق استقلال الوطن وبناء المغرب الحديث، كما ناضل ضد الاستبداد من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع. وحمل من أجل ذلك نعشه على كتفه، أكثر من مرة، بحيث نجا من تطبيق أحكام عليه بالإعدام؛ فعاش سنوات صعبة في المنفى بالجزائر وفرنسا كل ذلك ليعيش الموطنات والمواطنون كرماء في وطن حر.

بعدها رجع إلى المغرب، لأنه من أهل البيت” وأصحاب الأرض، ولم يفارقه امل العودة بمشروع سياسي ديموقراطي يسعى إلى بناء المجتمع الديمقراطي على أنقاض تاريخ مضطرب وقاسي من الانتهاكات في العديد من المظاهر والأحداث التي عاشتها الشرائح الواسعة من الشعب المغربي.   

في حياة ذ محمد بنسعيد المناضل المعارض نجد أحداثا لا ينساها أحد من أبناء الشعب فقد رفض طيلة حياته أن يقبل يد الحاكم مهما كان الثمن؛ معتبرا ذلك تزلفا وخنوعا وانكسارا وانهزاما وطاعة عمياء، وخوفا لا يرضاه لنفسه الأبية  أبدا، خاصة وانه الزعيم اليساري الذي يقدم المثل الذي يحتدى . ولذلك لم يرتبك الرجل او ينهزم او يضعف أمام أية دعوة رسمية بكل ما في الكلمة من معنى، -لم يطلبها ولم يسع إليها -، وكان مستعدا للرجوع من حيث تى، هادءا مهابا، و هو المدعوم والمسلح بسيف شرعية المقاومة وجيش التحرير وشرعية  تمثيلية لثلاث ولايات برلمانية، على عهد الحسن الثاني، عبر فيها، بلكنة لا تخطىء منشأها الطبيعي ،من داخل البرلمان ومن خارجه عن هموم وطنه الواسع ومطالب شعبه المتطلع للكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية .

 لم يستسلم، وهو الجريء الفاضح الأول لفضاعات معتقل تازمامارت السيء الذكر. بقي واقفا، منتصب القامة والهامة، بكل أدب واحترام، بما يليق بالزعماء والسياسيين الكبار، وهو الذي عاصر الثلاثة ملوك  منتقدا حرا للسياسات العمومية، لايغازل الأعداء ولايصالح الخصوم، ولم يفاوض على كرامته ولم يهادن على رمزية مبادئه، حتى آخر حياته.

في لحظة وداعه إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء سجل المغرب بكل أطيافه وشرائحه حضورا واسعا و قويا  بثمتيلية  رسمية وازنة،  ووجوه سياسية ورموز وطنية، وقامات ثقافية واقتصادية، وومناضلات ومناضلين إلى جانب ناس بسطاء…  وكل تلك الأطياف كانت تعتبر نفسها أولى بالرجل الرمز ولكن جموع اليساريين واليساريات والديمقراطيين والديمقراطيات كانت كاسحة تقديرا للرجل الذي وفي لقيم اليسار.  جنازة مهيبة تليق بنضالية الرجل الرمز جاءها الجميع ليودع رجلا ظل من الشعب والى الشعب حتى آخر رمق مدعما للحركات الشعبية وحليفا للشباب وتعتبر رسالته لشباب 20 فبراير خير مثال على هذا الدعم الدائم للشباب.

 

 

ذات يوم مشمس  فاجأنا  ونحن نعمل -كخلية نحل- من داخل مكتب المركز ونناقش ملفاتنا .  كان حضوره لحظة سعيدة  لحظة فارقة  لحظة متميزة ، وكأنه أراد أن يقول لنا أشياء خفية عزيزة عليه،  ولم تكن ابتسامتة اللطيفة تفارقه، وعيناه لا تكف عن إكمال دورتها  فينا، جميعا، وتطبطب بهدوء على اكتافنا، واحدا واحدا، وكأنه حامل لسر يسابق الزمن ليبوح به، و قد عاهد نفسه قبلا على أن يتقاسمه خلسة معنا…. حتى انه كاد ان يجهد نفسه، او هو اجهدها، حقا، لولا تفضل مرتفقي العزة – بكل لطف ومحبة- لتخفيف الكلمة. كان قد اسر لهم بشغفه العنيد للقاء بنا والحديث معنا، الى ان كانت تلك اخر زياراته لنا ….سجلنا بإعجاب انه لم يتحدث أبدا عن الماضي  او المحاسبة عن الإنجازات وإنما سأل بقوة وإصرار عن المشاريع المستقبلية وكأنه شاب ما يزال الزمن امامه  » أش تتاديروا ؟ فاش تتفكروا أش تتخططوا ؟  «    ترك في كل واحدة او واحد منا انطباعا بالاعجاب والاحترام والتقدير :  طلبنا توثيق اللحظة بصورة جماعية فوافق بابتسامة ما تزال تضيء طريق المستقبل!!

 

اختار الرفيق أن يكون مقاوما لايلين، متسلحا بقوة الحق عوض “حق القوة”، امهله الزمن-قارب القرن، بما فيه الكفاية، ليتبث صموده البطولي، و ليضع على المحك صمود مناضلي حركاته في السرية و تطورات حزبه في العلنية، في وجه نظام اوتوقراطي- سلطوي، لا يقبل اقتسام الحكم، إلا شكلا، ليرى الخصوم قيمة و رمزية مافعل واسدى لبلده، في تواضع جم. سيعيش الرجل في ذاكرة وقلوب الشرفاء والشباب والصغار مستعصيا على النسيان او التعويض، فقد عرف بأخلاقه العالية واحترامه للاختلاف وثباته على المبدأ، وعاش رمزاً للصمود والكرامة والعمل والممارسة الحية،

 

 لروحه السكينة والبقاء والخلود بين رموز هذا الوطن الكبار؛ وكل العزاء لعائلته ورفاقه وأفراد حزبه ومركزه و لكل الشعب المغربي والمغارب ولكل الأحرار في أفريقيا و العالم في فقدان رجل، بمعنى الكلمة.

 

ذ عبد الواحد حمزة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى