وجهة نظر

التعليم كمدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية: رؤية شاملة للإصلاح

رفيقاتي رفاقي بالحزب الاشتراكي الموحد، وكل من يحمل هم التعليم العمومي في وطننا العزيز، يشرفني أن أكتب موضوعًا بالغ الأهمية، وهو دورنا جميعًا في الدفاع عن المدرسة العمومية وتعزيز مكانتها باعتبارها حقًا أساسيًا لكل مواطن، ومفتاحًا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

إن المدرسة العمومية ليست مجرد فضاء تعليمي، بل هي مؤسسة مجتمعية تهدف إلى تكوين أجيال قادرة على بناء مستقبل الوطن، وتحقيق النهضة الشاملة. لكن، وكما تعلمون جميعًا، تواجه المدرسة العمومية اليوم تحديات كبرى تستدعي منا جميعًا الوقوف صفًا واحدًا لحمايتها وتعزيز دورها. ومن هذا المنطلق، جاء تنظيم هذه الندوة تحت شعار “مستمرون في الدفاع عن المدرسة العمومية”، لمناقشة واقع التعليم العمومي، الإشكالات التي تعترضه، والسبل الكفيلة بالنهوض به.

المحور الأول: التعليم والعدالة الاجتماعية – المفهوم والأبعاد

إن العدالة الاجتماعية في التعليم تعني توفير فرص متكافئة لكل طفل بغض النظر عن طبقته الاجتماعية أو موقعه الجغرافي. فهي تتطلب أن يحصل جميع التلاميذ على نفس جودة التعليم، مع مراعاة احتياجات الفئات الهشة والمهمشة.

لكن للأسف، لا يزال التعليم العمومي في بلدنا يعاني من تفاوتات عميقة، حيث نجد مدارس في المدن الكبرى مجهزة بأحدث الوسائل التعليمية، بينما تعاني مدارس القرى والمناطق النائية من نقص في الأساتذة  والمرافق والتجهيزات الأساسية. هذا التفاوت يؤثر سلبًا على مبدأ تكافؤ الفرص، ويجعل من التعليم أداة لتوسيع الفجوة الاجتماعية بدلًا من تقليصها.

ولذلك، يجب أن تكون هناك سياسات وطنية واضحة لضمان تعليم عمومي عادل ومنصف، من خلال تخصيص ميزانيات كافية، وتحسين ظروف التعلم، وتطوير مناهج تواكب متطلبات العصر.

المحور الثاني: تشخيص الواقع التعليمي في المغرب – الإشكالات والتحديات

إذا أردنا الدفاع عن المدرسة العمومية، فعلينا أولًا أن نحلل بواقعية التحديات التي تواجهها.

من بين أبرز الإشكالات التي تعاني منها مدارسنا العمومية:

التفاوت الجغرافي: هناك فرق شاسع بين المدارس الموجودة في المدن الكبرى وتلك الموجودة في القرى، سواء من حيث البنية التحتية أو توفر الموارد البشرية.

الهدر المدرسي: ما زالت نسب الانقطاع عن الدراسة مرتفعة، خصوصًا في المناطق القروية، بسبب عوامل مثل الفقر، وبعد المؤسسات التعليمية، وضعف التوجيه المهني.

ضعف جودة التعليم: رغم الجهود المبذولة، فإن جودة التعليم في المدارس العمومية ما زالت دون المستوى المطلوب، بسبب اكتظاظ الأقسام، ونقص التأطير، وعدم كفاية التكوين المستمر للأساتذة.

عدم المساواة في فرص التعلم: هناك فجوة واضحة بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي، حيث يحصل تلاميذ  المدارس الخاصة على امتيازات أكبر، سواء من حيث جودة التدريس أو الموارد المتاحة، مما يخلق نوعًا من “المدرسة بطبقات” داخل المجتمع.

المحور الثالث: دور التعليم في تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية

إذا أردنا أن نحقق العدالة الاجتماعية، فلا بد أن نبدأ بإصلاح التعليم. فالمدرسة العمومية يجب أن تكون رافعة للحراك الاجتماعي، وليست مجرد مكان لتلقين المعلومات. عندما نوفر تعليمًا عموميًا جيدًا، فإننا نمكن الأفراد من تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

التعليم هو الطريق الأول للخروج من دائرة الفقر، حيث يمكّن التلاميذ  من اكتساب المهارات التي تؤهلهم للحصول على وظائف مناسبة.

التكوين المهني والتقني يمكن أن يكون حلًا مثاليًا للحد من البطالة، خاصة إذا تم توجيهه ليواكب احتياجات سوق الشغل.

لا يمكننا الحديث عن تعليم عادل دون الإشارة إلى دور المدرسة العمومية في تمكين المرأة والمجموعات الهشة، حيث أن تعزيز تعليم الفتيات في المناطق القروية يساهم في رفع مستوى المعيشة وتقليل الفجوة بين الجنسين.

المحور الرابع: الإصلاحات المطلوبة – نحو نظام تعليمي عادل وشامل

لا يمكن الدفاع عن المدرسة العمومية دون الحديث عن الإصلاحات الضرورية التي يجب اتخاذها لضمان تعليم جيد للجميع. من بين أهم الخطوات التي يجب العمل عليها:

سياسات تمويل عادلة: يجب على الدولة أن تضع التعليم العمومي ضمن أولوياتها في الميزانية، من خلال تخصيص موارد كافية لتحسين البنية التحتية وتجهيزها بمعدات كافية للقيام بعملية التعليم.

تحسين ظروف التعلم: يجب تقليل الاكتظاظ داخل الأقسام، وتوفير الوسائل التكنولوجية الحديثة، وإعادة النظر في المناهج الدراسية لجعلها أكثر تفاعلية ومواكبة للعصر.

تعزيز التعليم في المناطق المهمشة: بناء مدارس جديدة، توفير النقل المدرسي، وضمان تحفيزات للأساتذة للعمل في المناطق القروية كلها خطوات ضرورية لضمان تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ .

إدراج التنوع الثقافي واللغوي في المناهج: يجب أن تعكس المناهج الدراسية التنوع اللغوي والثقافي للمجتمع، بحيث يشعر جميع التلاميذ بالانتماء إلى النظام التعليمي.

المحور الخامس: التجارب الدولية – دروس مستفادة للتطبيق المحلي

لن يكون إصلاح التعليم ممكنًا دون الاطلاع على التجارب الناجحة التي اعتمدتها دول أخرى. يمكننا الاستفادة من تجارب مثل:

فنلندا: التي جعلت من التعليم أولوية وطنية، واستثمرت في تكوين الأساتذة، واعتمدت مناهج تعليمية متقدمة.

كوريا الجنوبية: التي نجحت في ربط التعليم بسوق الشغل، وركزت على التكوين التقني لتقليل البطالة.

كندا: التي تطبق نموذجًا تعليميًا يركز على الابتكار والتعلم التفاعلي بدلًا من الحفظ والتلقين.

إن نجاح هذه التجارب لم يكن صدفة، بل كان نتيجة لسياسات تعليمية واضحة وإرادة سياسية قوية. ومن هنا، يمكن للمغرب تكييف هذه النماذج وفق خصوصياته المحلية لتحقيق نتائج إيجابية.

الخاتمة والتوصيات

أيها الحضور الكريم، إن الدفاع عن المدرسة العمومية ليس مسؤولية فرد أو فئة محددة، بل هو واجب مجتمعي يتطلب تضافر جهود الجميع، من أساتذة، وأولياء أمور، ومجتمع مدني، وصناع قرار.

يجب أن نطالب بسياسات تعليمية عادلة، ونعمل على تحسين جودة المدارس العمومية، ونساهم في نشر الوعي بأهمية التعليم كحق أساسي لكل مواطن.

ومن هنا، ندعو إلى:

الضغط على صناع القرار من أجل زيادة الاستثمار في التعليم العمومي.

تفعيل دور المجتمع المدني في دعم المدارس العمومية وتوفير بيئة تعليمية مناسبة.

تعزيز دور الإعلام في نشر الوعي حول أهمية المدرسة العمومية وضرورة حمايتها.

ختامًا، لنجعل شعارنا دائمًا “مدرسة عمومية قوية، مستقبل وطني مزدهر”. شكرًا لكم جميعًا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى