اخبار دولية

مبادرة إنسانية في شكلها ،مساعدة إقتصادية في عمقها..من قلب مدينة الأديان الثلاثة، نابلس الفلسطينية،مساعدات ألمانية للمزارعين..

تنوير/الطنطان/محمد جرو:

تمتد لقرون ،إذ سنة 1605 اكتشف المؤرخ “فولفغانغ ماير” في تقرير رحلة قديمة، أن هناك بالفعل إتصالات مبكرة بين علماء من “نورنبيرغ”الألمانية ونابلس في الضفة الغربية، حيث وصف تقرير طُبع لأول مرة عام 1608، زيارة القس “سالومون شفايفغر” ،الذي يتحدر من نورنيورغ ،في زيارته لنابلس أثناء رحلته من القدس إلى دمشق، حيث قضى ليلة تحت أشجار الجوز في المدينة. هذه الزيارة، التي وثقها في كتابه المنشور عام 1608، تعد من أوائل الروابط المسجلة بين المدينتين. واليوم، بعد أكثر من أربعة قرون، تستمر العلاقة ولكن بصيغة جديدة من التعاون الإنساني والاقتصادي.

ويقول بلشكه: لم تكن هذه الشراكة وعلاقة التوأمة بين المدينتين وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى قرون مضت.

اليوم، يستلهم الدكتور “بلُشكه” وفريقه من هذا التاريخ ليبنوا على أساسه: “عندما قرأنا عن رحلة شفايفغر، أدركنا أن هناك خيطًا رفيعًا يربطنا بنابلس منذ قرون”، يقول بلُشكه، مضيفًا: “ما نفعله اليوم هو إعادة إحياء تلك الصلة، لكن بطريقة تخدم الناس وتعزز حياتهم.” هكذا، تحولت تلك اللحظة التاريخية إلى نقطة انطلاق لمبادرات معاصرة، تجمع بين الماضي والحاضر في نسيج واحد من التضامن.

في قلب مدينة نابلس الفلسطينية، حيث تتشابك حاراتها وأزقتها الضيقة كخيوط تاريخ عريق، يتردد صدى أواني الطبخ وضحكات المتطوعين في “مطبخ مبرة الخير”. التابع لجمعية المركز الاجتماعي الخيرية مع اقتراب غروب الشمس في رمضان، حيث تتحول هذه البقعة الصغيرة إلى منارة تضيء حياة المئات من المحتاجين بوجبات ساخنة تحمل في طياتها أكثر من مجرد طعام – تحمل الأمل. لكن خلف هذا المشهد المحلي، تمتد خيوط قصة عجيبة إلى مدينة نورنبيرغ الألمانية، حيث تمتزج رائحة الحلويات الشتوية وأنوار سوق عيد الميلاد. هذا التعاون الإنساني، ينسج حكاية تتجاوز الحدود، ليثبت أن الرحمة لا تعرف مسافات، وأن الأمل يمكن أن يولد من لقاء بين قلبين بعيدين.

تبدأ خيوط هذه القصة في ديسمبر من كل عام، عندما تتحول نورنبيرغ إلى مسرح احتفالي بوجود سوق عيد الميلاد الشهير والعريق. وسط الأضواء المتلألئة ورائحة الكعك المحلى بالقرفة، يبرز جناح مميز يحمل اسم نابلس، مزينًا بمنتجات يدوية فلسطينية تحكي قصصًا من تراث عريق: الصابون النابلسي المصنوع من زيت الزيتون، التطريز التقليدي الملون بخيوط الحياة، والتحف الخشبية التي تحمل بصمات أيادٍ صنعتها بعناية. لكن هذا الجناح ليس مجرد واجهة عرض، بل بوابة للتضامن؛ فجزء كبير من عائداته يتدفق مباشرة إلى مشاريع تضخ في مدينة نابلس ومنها مطبخ “مبرة الخير” ليصبح كل طبق يُقدم هناك تعبيرًا عن صداقة عابرة للقارات.

الدكتور بيتر بلُشكه، رئيس جمعية الصداقة بين المدينتين “INNA” والتي ترتبط جمعيته ببلدية نورنبيرغ بعلاقات وثيقة قال في حوار مع الزميلة DW عربية. “إن التبرعات هي أكثر من مجرد دعم مالي، إنها رسالة محبة بين بلدين. وأوضح: كانت القوة الدافعة لتطوير التعاون بين نابلس ومدينة نورنبيرغ مجموعة من الأشخاص الذين ينحدرون من نابلس ويقيمون الآن في نورنبيرغ، ويرغبون في المساهمة في دعم مدينتهم الأم. لقد عملوا لفترة طويلة وبصبر كبير للترويج لهذه الفكرة. ومع مرور الوقت، انضم إليهم بعض مواطني نورنبيرغ، مما أدى في النهاية إلى تشكيل نواة لتأسيس الجمعية”.

المبادرة في شكلها إنسانية ،بينما في عمقها هي دعم اقتصادي من التبرعات إلى الاستدامة..

في هذا الصدد ،قال عدنان عودة، أمين عام جمعية المركز الاجتماعي الخيرية المشرفة على “مطبخ مبرة الخير”، في حوار مع DW عربية “أن الدعم الأخير ساهم في توزيع مئات الوجبات على الصائمين في رمضان في البلدة القديمة. وقال عودة إن مدينة نابلس تشتهر بأنها مدينة الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية والسامرية (اليهودية) لذلك فإن من أهداف الجمعية توزيع الطعام على جميع المحتاجين أو عابري السبيل بغض النظر عن دينهم وعرقهم، كما أن الجمعية تساهم من خلال التبرعات بدعم المزارعين الفلسطينيين بشراء منتوجاتهم بسعر عادل، وتعمل على تزويد مطبخها بأجود المزروعات واللحوم، كما أنها تساهم في ترويج البعض الآخر وتسوقه من خلال معارض الجمعية” من جهة أخرى تعمل الجمعية ، على الاتفاق مع سيدات وربات بيوت من أجل المساهمة في تفريز الطعام أو صنع مأكولات محلية مثل ، المخللات أو المكدوس والمربى من أجل توفير فرص عمل للسيدات وبيع هذه المنتوجات ضمن معرضها في المدينة، بحيث يعد شراء هذه المنتجات أيضا وسيلة لدعم أعمال الخير.

المبادرة تعيش بين مطرقة الصراع وسندان المحتل وإكراهاته،رغم أن هدفها هو زرع الأمل،بحيث أن هذا “الجسر الإنساني” لا يخلو من العوائق ،بحكم الوضع السياسي والاقتصادي في نابلس، مع قيود التنقل الخانقة ونقاط التفتيش التي تعيق الحركة، يشكل تحديًا كبيرًا أمام استمرارية التعاون. ففي السابق،بحسب الدكتور الألماني ، كانت الزيارات المتبادلة بين المدينتين حدثًا منتظمًا، حيث كان الوفود من نورنبيرغ يلتقون بشركائهم في نابلس، لكن الظروف الراهنة قلصت هذه اللقاءات، رغم ذلك، “نستخدم مؤتمرات الفيديو لنبقى على تواصل دائم مع شركائنا في نابلس”، يقول بلُشكه، مضيفًا: “في ظل هذه التحديات، تواصل الجمعية تقديم الدعم العملي، مثل مركبات الإطفاء ومعدات إدارة النفايات التي قدمتها بلدية نورنبيرغ سابقًا، كما تم دعم مدرسة في نابلس بآلات موسيقية وتجهيزات مدرسية. وقد تم تقديم طلب للحصول على ت وبمجرد توفر الدعم المالي، نأمل في تقديم حاويات نفايات إضافية لدعم مدينة نابلس.

هكذا تتعدد التبرعات والمبادرات ،ومنها إفطارات رمضانية ،الوجهة لشعب الجبارين بفلسطين الحبيبة ،والهدف واحد ،هو مشاركة مواطني فلسطين،خاصة في ظل ظروف الحرب والدمار الشامل ،جراء هجومات المستوطن الصهيوني ،الذي يهدف إبادة والقضاء على شيء إسمه فلسطين ،لكن هيهات هيهات ،فالمشترك الإنساني وقضية فلسطين تشحذ الدعم من أركان الكرة الأرضية بمختلف الأشكال التضامنية الإنسانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى