وفاة المخرج الفرنسي إيف بواسيه: رحيل صانع الأفلام الملتزمة سياسيًا

فقدت السينما الفرنسية والعالمية أحد أبرز مخرجيها، حيث توفي المخرج الفرنسي إيف بواسيه يوم الإثنين 31 مارس 2025 عن عمر يناهز 86 عامًا. عرف بواسيه بأفلامه الجريئة ذات الطابع السياسي والاجتماعي، والتي سلطت الضوء على قضايا حساسة في المجتمع الفرنسي والعالمي.
وُلد إيف بواسيه عام 1939 في فرنسا، وانطلق في مسيرته السينمائية خلال الستينيات، حيث عمل مساعد مخرج إلى جانب أسماء بارزة مثل كلود شابرول وجان بيير ميلفيل. لكن انطلاقته الحقيقية جاءت في السبعينيات عندما بدأ في إخراج أفلام خاصة به، عُرفت بأسلوبها الجريء ورؤيتها السياسية العميقة.
كان فيلمه “دوبون لاجوا” (Dupont La joie) عام 1975 من أبرز أعماله، حيث أثار جدلاً واسعًا بسبب تناوله لموضوع العنصرية والعنف داخل المجتمع الفرنسي. اعتمد بواسيه في هذا الفيلم على أحداث حقيقية جرت في مرسيليا، ليقدم نقدًا صارخًا لمظاهر الكراهية والتمييز. فاز الفيلم بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي، ما عزز مكانة بواسيه كمخرج غير تقليدي يسعى إلى كشف الحقائق غير المريحة.
من بين أفلامه الأخرى التي تركت بصمة في السينما الفرنسية:
-
“إسبيون، ليف توا” (Espion, lève-toi) عام 1982، الذي تناول قضية الجاسوسية والحرب الباردة.
-
“كانيكول” (Canicule) عام 1984، وهو فيلم جريمة مستوحى من رواية أمريكية، مزج فيه بواسيه بين العنف والتشويق بطريقة لافتة.
-
“بلو كوم لانفير” (Bleu comme l’enfer) عام 1986، الذي تميز بأسلوبه السينمائي المختلف واستخدامه للألوان والظلال بشكل درامي.
-
“آن تاكسي موف” (Un taxi mauve) عام 1977، وهو من أنجح أفلامه تجاريًا، حيث قدم قصة إنسانية عاطفية بأسلوب شاعري.
في التسعينيات، وبعدما واجه صعوبات في الحصول على تمويل لمشاريعه السينمائية، انتقل بواسيه إلى الإخراج التلفزيوني. لكنه لم يبتعد عن قضاياه السياسية والاجتماعية، حيث قدم عدة أعمال تلفزيونية لاقت نجاحًا كبيرًا، من بينها:
-
“لافير سيزنيك” (L’Affaire Seznec) عام 1993، الذي تناول قضية قضائية غامضة شغلت الرأي العام الفرنسي.
-
“لافير دريفوس” (L’Affaire Dreyfus) عام 1995، حيث عاد إلى واحدة من أكبر الفضائح السياسية في التاريخ الفرنسي، مبرزًا الظلم الذي تعرض له الضابط اليهودي ألفريد دريفوس.
-
“لو بانتالون” (Le Pantalon) عام 1997، الذي تناول قضية الظلم العسكري خلال الحرب العالمية الأولى.
تميزت أعمال بواسيه بأسلوبها الواقعي الحاد، حيث لم يكن يتردد في تناول المواضيع الجدلية مثل الفساد السياسي، والعنصرية، والظلم الاجتماعي. كان مخرجًا ملتزمًا بقضايا مجتمعه، واستخدم السينما كأداة للتعبير عن رفضه للظلم والانتهاكات.
توفي إيف بواسيه في المستشفى الفرنسي البريطاني في لوفالوا بيريه بالقرب من باريس، حيث كان يتلقى العلاج في أيامه الأخيرة. برحيله، فقدت السينما الفرنسية أحد أبرز أصواتها النقدية، إلا أن إرثه سيظل حيًا من خلال أفلامه التي ستبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة من السينمائيين.
كان بواسيه مخرجًا استثنائيًا، استخدم السينما والتلفزيون كوسيلة للتوعية والتعبير عن قضايا إنسانية جوهرية. رغم التحديات، لم يتنازل عن مبادئه أو رسالته الفنية. سيبقى اسمه خالدًا في تاريخ السينما الفرنسية، كواحد من المخرجين الذين جعلوا من الشاشة الفضية مرآة تعكس الواقع بكل تفاصيله.