اخبار دولية

بيان الخارجية الجزائرية حول مالي،بين الدبلوماسية والوثيقة السياسية ..

تنوير/الطنطان/محمد جرو:
كنت دائما ضد ومتحفظ على جل مايصدر من الجارة الشرقية ،”لانجيري”كما يصفها أغلب المتقاعدين العسكريين ،ومنهم والدي شافاه الله وأطال في عمره،جراء معاناة الأسر الذي تعرض له بعد حرب الرمال ،ومثله من قاسى ويلات الأسر لدى جبهة البوليساريو ،بحيث ليس تحاملا أو حقدا ،فشعب الجزائر الأبي ،نرتبط به بعلاقات وشائجية ،وعلاقة مصاهرة ،لكن “المنبهرين”خلال المد “التحرري’الذي كانت الجزائر واحدة من “المنتسبين”لهذه الظاهرة ،والمغرب ربما كان من بين قلائل من وطدوا ووطنوا زعماء وقيادات لتلك الفترة ،وينتصب اسم الشهيد المهدي بن بركة ،عريس الشهداء على رأس القائمة ،التي تضم أسماء من رحلوا وآخرين لم يبدلوا تبديلا ..
من تجليات ذلك “الانبهار”الشبابي بالصحراء المغربية ،”حركية “الديبلوماسية “الجزائرية وعلى رأسها الراحل عبد العزيز بوتفليقة ،تلميذ وجدة شرق المغرب ،على هذا المستوى ..لن نتحدث عن حركة عدم الانحياز ،وذكرت سابقا رائدها المهدي بن بركة ،او مجموعة 77 وغيرها ،بل دعونا نتأمل هذا “البيان”الصادر عن الخارجية الجزائرية ،ونقرأ سطوره بتأن وتجرد ،من وجهة نظري المتواضعة في شكله أو ظاهريا،لأنه صادر عن وزارة “برا” يُقدَّم على أنه رد دبلوماسي على اتهامات، لكنه في جوهره “وثيقة سياسية” تحمل في جوهرها دلالات تكشف عن تحوّل في عقيدة الجزائر الخارجية من ما يمكن أن نسميه “حيادا متحفظا” إلى بوادر “مواجهة حقيقية”. تمظهرات ذلك تتجلى في كون كل سطر لا يتكلم فقط باسم الدولة، بل الواقع هو حمولة لمنظومة كاملة من الهواجس والنوايا، بأدوات مبطنة عنوانها “الضغط” حتى تجد الدولة موطىء قدم بعد أن زلت ،بالساحل والدول الإفريقية برمتها ربما بسبب تدخلات “غير محسوبة ولا محسومة النتائج”
يزكي هذه القراءة الشخصية للبيان، سقوط عسكر الجزائر في ارتباك داخلي تجاه متغيرات جيوسياسية “زهقات “من يد الدولة التي طالما مطرقت العالم ب”حيادها”المكذوب خلال وساطات تكسرت مع ظهور الانقلابات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتوجه هذه الدول الثلاث نحو محور جيوسياسي جديد يعيد رسم خرائط الولاء والتحالفات في المنطقة.
جاء “الرد”الجزائري الذي وصف ب “العنيف” وترجمه البيان ليس دفاعًا عن “سيادة جوية” بقدر ما هو إنذار سياسي موجه ضد هذا التحوّل الجيوسياسي الذي يقصي الجزائر من مربعات النفوذ الاستراتيجي في الساحل ،ولعل لغة ونبرة البيان “التي تحمل “تعاليا”إلى درجة نعت حكومة مالي ب “الزمرة الانقلابية”، “الطغمة”، “إرضاء الطموحات الشخصية”بماذا يفسر هذا ،في نظري هو تعبير عن “خوف” ،إذ ترى الجارة الشرقية ،في التحالف العسكري والسياسي بين الدول الثلاث “مشروعًا يهدد أمنها العميق”، ويُقوّض طموحاتها التاريخية في لعب دور “قوة ضامنة”بالغرب الإفريقي .
الخطير في نص البيان، هو “الخبث الدبلوماسي”والمحمول بآليات بروباگاندا مهترئة تكمن في ادعاء امتلاك “صور رادارية”، و”تواريخ دقيقة”، و”بيانات محفوظة”،بينما الواقع الذي لاتريد عسكرتارية الجزائر تقبله هو أنها فشلت في حماية حدودها الجنوبية من انتشار السلاح .
“أحلام الجزائر”التي قد تدخل ،نفسيا وسلوكيا ضمن “أحلام بعد العصر”أو “أحلام النهار”هو محاولة تصوير وتسويق صورة بلد “أخلاقي”،في “بيئة إقليمية ملوثة” طابعها الإنقلابات والحوادث..
خلاصة القراءة الشخصية ،ومن خلال تتبع للأوضاع ولماينشر ،هو أن عسكر الجزائرمازال يحن أو يعيش على أمل أنه قنطرة وربما طريق سيار ،لابد من المرور عبره ،”لاستتباب الأمن” بالمنطقة وهذا يفسر أنه لا يمكن ان يخفى على عاقل أن نوايا الجزائر ليست في الدفاع عن شرف المجال الجوي، بل في حماية ما تبقى من عمقها الاستراتيجي، وفي إفشال ولادة تحالف جديد يعيد ترتيب الأوراق وتثبيت التوازنات الإقليمية دونها،ولعل “تحذير”الولايات المتحدة الأمريكية ،من خلال رئيس أفريكوم للجزائر ،من مغبة “السماح”بمزيد من التغلغل الروسي بشمال افريقيا ،دليل آخر على أن قصر المراديا يعيش حكامه في حيص بيص قد يعصف بكل “مشاريع”التوسع وإحداث البلبلة بالساحل وبعموم إفريقيا ،لن ينفع معه “إعادة مد اليد “للمستعمر الفرنسي ،ولا “تحزار”الإسباني ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى