برنامج “انموكار “حلقة أولاد احريز وسؤال التوثيق -الرطابي عبد الكريم

عرضت القناة الأولى مساء الخميس 17/04/2025 برنامجا وثائقيا تحت عنوان (أولاد احريز نبش في الذاكرة).فكرة البرنامج محمودة لأنها تعرفنا بمناطق من مغربنا قد لا نشاهدها عن قرب .إلا أن صياغة البرنامج وتقديمه بتلك الصورة المدرسية يطرح ملاحظات عديدة من أهمها
1- حاول البرنامج أن يغطي جميع مجالات قبيلة أولاد احريز .فهل توفق؟
2- الاعتماد على شخصيات لا علاقة لها بالموضوع .
3 – الاعتماد على رواة من عامة الناس .
4 – انحصر البرنامج في منطقة واحدة هي المحيط الجنوبي لمدينة برشيد .
سنناقش هذه النقط بشيء من التفصيل .بالنسبة للنقطة الأولى
1 – انطلق البرنامج من الجنوب الغربي لقبيلة أولاد احريز (سيدي رحال).وكان الموضوع هو الأولياء.ثم انتقلت الكاميرا إلى ولي آخر (سيدي المكي)ثم (سيدي الجيلالي) و(سيدي أحمد ابن إدريس).السؤال هو ما الغاية من جرد هؤلاء الأولياء؟
2- اعتمد البرنامج على أشخاص لا دراية لهم بالموضوع باستثناء السيد لحميدي وأستاذ الفنون التشكيلية السيد الإدريسي.ماذا أضاف الشخص الذي وقف أمام الولي (سيدي المكي)؟ لماذا استنجد بمخاطب افتراضي عبر الهاتف؟أتراه ليس مؤهلا معرفيا؟أما الكاميرا فكانت ترصد بناء متهالكا لجدران الولي (به شقوق ) .فقبل الحديث عن الولي كان لا بد من إصلاح جدرانه وتقديمه في حلة تليق بمقام الولي وجيرانه من أعيان الساكنة.
3- الاعتماد على رواية شفاهية قدمها العامة من الناس (سيدي رحال)و(سيدي المكي).لقد كان حريا مساءلة أهل الاختصاص في مجال الأولياء والزوايا من مؤرخي أبناء المنطقة.
فالاعتماد على (الأخوين لبصير) للحديث عن الموسيقى المحلية وعن الأولياء (مولاي عمر) ليس معيارا لتقديم شهادة رصينة عن الموضوعين.
4- انحصر مجال البرنامج في حيز مكاني ضيق جعل المتابعين يشعرون بامتعاض محتشم. ففضاء قبيلة أولاد احريز يمتد جغرافيا من الغرب (السوالم سيدي رحال الشاطئ )، ومن الجنوب منطقة ابن امعاشو( حدود دكالة)،وشرقا قبيلة أولاد اسعيد وشمالا ابن سليمان (ورديغة).والبرنامج اختزل قبيلة أولاد احريز في فضاء سيدي رحال وسيدي المكي ومولاي الجيلالي وإقامة الباشا برشيد.
نعود الآن إلى مضامين البرنامج.لقد تكلم السيد لحميدي عن القايد حمو لحريزي باقتضاب شديد وهو يقف بجانب أطلال بيته.تكلم عن العيطة الشعبية(في مديونة تعاهدوا وليدات الشاوية).لم يتكلم أحد عن أسباب النزول،وبقي الغموض يلف الموضوع المثار.كان لا بد من ذكر التفاصيل ليطلع الجيل الجديد من أبناء المنطقة على جزء من التاريخ المحلي .ومعلوم أن (واقعة – معركة مديونة التي أرختها العيطة) سنة 1908 جاءت كرد فعل على المجزرة الشنيعة التي ارتكبها العدوان الفرنسي على ساكنة (أنفا) سنة 1907 حيث سقط العديد من القتلى الأبرياء وهم يدافعون عن قلعتهم البيضاء.ففي غياب جيش مغربي منهار منذ (1844) تجندت القبائل للدفاع عن الوطن.في هذا السياق ارتفعت أصوات للأخذ بثأر شهداء (آنفا) لأنها امتداد جغرافي طبيعي لمنطقة الشاوية.استجاب لهذه الدعوة جميع قبائل الشاوية (أولاد احريز وأولاد اسعيد ولمزامزة ولمذاكرة وأولاد زيان وأولاد حدو وبني مسكين والرحامنة …) بل جاءت التعزيزات من جبال الأطلس الشامخة (قبائل زيان).
أنيطت قيادة المعركة للقايد حمو لخبرته في الميدان العسكري.واتفق أعيان القبائل الوطنيون ومعهم المتطوعون من ساكنة البادية (الشاوية) على أن تكون منطقة مديونة هي أرض المعركة نظرا لقيمتها الاستراتيجية.كان الانتصار حليف الإرادة الشعبية وتم الانتقام لشهداء (الدارالبيضاء)سنة 1908 (1).
قضية أخرى لم يتم التطرق إليها بتفصيل.فالسيد الحميدي كان واقفا بجانب (قصبة باشا برشيد).لا أدري لماذا لم يتمكن البرنامج من ولوج دار الباشا وتصوير بعض مرافقها.فقد كانت شاهدة على زيارة بطل التحرير محمد 5 لأولاد احريز واستقباله داخلها من طرف الباشا كما أن الباشا محمد برشيد كان من القواد القلائل الذين رفضوا مبايعة (ابن عرفة)بجانب والد السيد مصطفى التراب الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط.فقامت سلطات الحماية بمصادرة ممتلكات الباشا برشيد انتقاما منه لرفضه مبايعة الملك الدمية.وربما هذه من الأمور التي جعلت المخزن يصر على دعوة باشا برشيد في جميع المناسبات الوطنية حتى بعد إحالته على التقاعد.(قتل حين حضر احتفالات عيد الشباب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة1971) .
مما أثير أيضا مسألة الطرب المحلي من خلال (الأخوين لبصير).ما الإضافة التي قدمها الأخوان؟ دعوة الفنان عز الدين البقوشي صاحب لحن (أم الربيع) لعبد الهادي بلخياط للإدلاء بشهادته .فكان حريا أن نستمتع بتقاسيم هذا الفنان عوض عرض تسجيل الأغنية بصوت بلخياط. مع العلم أن تصوير البرنامج كان قريبا من مسقط رأس عازف العود الشهير ورئيس الجوق الوطني الراحل (عمر الطنطاوي) وهي مناسبة للتذكير بأعماله الفنية.
لقد أثيرت مواضيع كثيرة بشكل موجز مما جعل البرنامج عابرا.ففي بيت السيدة (علية ) الشاعرة أثيرت مسألة شعر التصوف وقضية الزي التقليدي بدون منهجية.كما تم عرض اصطبل لتربية خيول الفروسية دون معرفة المكان.وتم عرض سربة من الخيل وهي تقدم لوحة في فن الفروسية دون أن يتمكن المشاهد من معرفة المكان ولا معرفة الفرسان….
والملاحظ أن البرنامج حاول باختزال شديد الوقوف عند جميع المظاهر الاجتماعية والفنية (العيطة المحلية والفروسية) وعلاقة الساكنة بالزوايا،ومشاركة المنطقة في المقاومة الشعبية (معركة مديونة وأحداث 1953) وإغفال بعض الشخصيات التاريخية وبعض الأولياء، وبعض المناطق شمال وشرق قبيلة (اولاد احريز)…
إن المحاور- موضوع التوثيق- لا تحتاج إلى حلقة واحدة ،بل تحتاج إلى أكثر من حلقة. فالبرنامج توثيقي ،وصفته الاعتبارية تلزمه بتقديم إجابات كافية وشافية ذات حمولة تاريخية وبمنهجية تقارب الموضوعية العلمية. وأنا مع برامج من هذا النوع ولست ضدها.وعندما أنتقد ،فلغرض تطوير البرنامج .
1 بين مطرح النفايات حاليا ومقلع ميكارصو (مديونة) أقام المستعمر فيما بعد رمزا تذكاريا للجندي المجهول.والنصب لا زال صامدا يلفه الإهمال …