اخبار دولية

كيف تحولت سوريا أحمد الشرع من خاصرة محور الممانعة إلى بلد مطبع؟

أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع وقال إنه رد بالإيجاب على طرح الانضمام إلى "اتفاقات أبراهام" كما وصفه بـ"الرائع والشاب الجذاب وقوي البنية".

لم يتأخر الجولاني أو أحمد الشرع كما صار اسمه الذي يوافق المرحلة الجديدة كثيرا في إحباط جمهور المطبلين والمهللين لنظامه الطائفي في سوريا بعد تناسل الأخبار عن الهدايا التي بات يقدمها دون حسيب أو رقيب إلى كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تمهيدا للتطبيع، بعد أن كانت هذه الهدايا تقدم للدول المراد جرها إلى جوقة التطبيع، وكانت سوريا الأسد ترفضها بشدة رغم كل المحاولات والوساطات التي استنفذت في سبيل إركاعها أو عزلها على أقل تقدير عن محور المقاومة بالمنطقة.

حيث تأكد تسليم جثة الضابط الإسرائيليي تسفي فيلدمان الذي سقط في معركة السلطان يعقوب خلال حرب لبنان قبل أربعين عاما، والتي دارت بين الكيان الصهيوني والجيش العربي السوري الذي لازال يتهمه جمهور الجزيرة وقنوات التضليل العربية بأنه لم يطلق ولا رصاصة واحدة تجاه إسرائيل رغم خوضه ثلاثة حروب مع هذا الكيان، مما شجع الكيان على تكثيف اتصالاته بالحومة السورية الجديدة للبحث عن جثة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، وقد امتنع النظام السابق عن تسليم أي جثة لهم رغم كل المحاولات اليائسة التي قاموا بها.

وبعد غضه الطرف عن توسع الجيش الصهيوني في كل الجنوب السوري وعن استهداف كل المقدرات العسكرية والدفاعات الجوية التي كان الإعلام المضلل في موقف مثير للسخرية ينسبها للنظام السابق فضلا عن اعتقال قيادات فلسطينية من العيار الثقيل كان آخرهم طلال ناجي نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، وقد سبق وأن استهدف الطيران الجوي الإسرائيلي مقارهم السياسية دون أي تنديد من حكومة الجولاني الدمية، والتي لا تجتهد عصاباتها المسماة بالأمن العام إلا في اضطهاد الأقليات الدينية في البلد من العلويين والمسيحيين والدروز الذين لجؤوا أخيرا إلى الكيان الصهيوني لحمايتهم من بطش هؤلاء الدواعش بعد ما رأوه من المجازر التي تعرض لها إخوانهم العلويون في الساحل السوري ملوحين بورقة الانقسام الذي باتت تحصيل حاصل بعد التمدد التركي في محافظات الشمال منذ اليوم الأول لسقوط النظام، والإسرائيلي في الجنوب واستئثار الأمريكي بآبار النفط شرقا بالمناطق التي تحكمها قسد حيث فرض الأكراد شروطهم المذلة لحكومة دمشق خلال المفاوضات الأخيرة التي توسط فيها الأمريكي لحماية مصالحه هناك. كما وقد سرب الإعلام العبري خبر زيارة وفد سوري برئاسة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة لإسرائيل ولقاءه بمسؤولين هناك، بل تحدثت بعض المنابر عن وساطة إماراتية تمهيدا للتطبيع مع الكيان.

من جانب آخر، وقبل حتى أن تقلع طائرة ترامب إلى دول الخليج حيث تنتظره الهدايا والاستثمارات التي سيحاول من خلالها إنقاذ أمريكا من أزمتها الاقتصادية، تسربت أنباء (رويترز نقلا عن مصادر موثوقة) عن منح الوافد الجديد لنادي أصدقاء أمريكا في المنطقة الرئيس السوري غير المنتخب أحمد الشرع للولايات المتحدة الأمريكية حق الوصول إلى النفط والغاز السوري وأيضا التطبيع مع إسرائيل مقابل إلغاء العقوبات، وقد أضافت الجزيرة صفقة تجارية تشمل بناء برج يحمل اسم ترامب وسط دمشق، الأمر الذي يبدو أنه فتح شهية ترامب عند لقاءه في السعودية بالشرع أو الجولاني الذي كانت أمريكا إلى وقت قريب تضع على رأسه 10 ملايين دولار عندما كان إرهابيا نشيطا مع داعش وأخواتها، لسرد إملاءات جديدة ذكرت منها المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت؛ التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية مع الكيان الصهيوني، وترحيل جميع الفلسطينيين الذين وصفهم أمامه ترامب بالإرهابيين -وقد رفض بشار الأسد هذا الشرط سنة 2004 عندما جاء به كولن باول إلى طمشق مصحوبا بجملة من الإغراءات- لكن الجولاني استبق هذا الطلب في الواقع باعتقال عدد من قيادات المقاومة الفلسطينية، ومن ذلك مطالبة جميع الإرهابيين الأجانب بمغادرة سوريا، وهو ما صار شبه ممتنع بعد تجنيس أغلبهم واستيلاءهم على مساكن العلويين والمستضعفين من الأقليات الدينية بعدد من المحافظات في البلد بعد حملة التهجير الشرسة التي قامت بها عصابات ما يسمى بالأمن العام التي يقود أغلب ألويتها أجانب من آسيا الوسطى وتركيا..
طبعا، ليس هناك مجال لرفض هذه المطالب المستعجلة، خاصة بعد أن وصف ترامب صديقه الجديد على رأس حكومة دمشق بالرائع وبأن لديه فرصة جيدة، طبعا لخدمة مشاريعه وأهدافه وأهداف أصدقاءه الصهاينة وشركاءه بالمنطقة ممن تآمروا على إسقاط النظام المقاوم بسوريا وإخراج هذا البلد من معادلة محور الممانعة وتقسيم أوصاله لصالح أجنداتهم المشبوهة.

وهكذا باتت الصورة أكثر وضوحا بعد أن بات الشرع مستعدا لمنح الأمريكي وحلفاءه في المنطقة ما كان يرفضه النظام السابق لحوالي ستين سنة، بل ومن أجل هذا الرفض القاطع والمبدئي قامت قيامتهم لإسقاطه وتشويه صورته من طرف الإعلام الغربي والعربي المتآمر، حيث انكشفت بعض هذه الافتراءات والفبركات وإن لا زال يتم تداول بعضها من طرف الجمهور المغيب عن خفايا المؤامرة التي تعرضت لها الدولة السورية كلما تعرض الحاكم الجديد الذي جيء به على ظهر دبابات أمريكية وتركية إلى دمشق للنقد، حتى أن قناة الجزيرة لم تتورع عن فصل إعلاميتها منى حوا بعد تدوينة وصفت خلالها جانبا من انبطاح الحكومة السورية الجديدة؟؟
لكن جمهور المطبلين والمهللين لن يمل في البحث عن الأعذار والتبريرات الواهية من أجل تلميع صورة دمية دمشق الجديدة بعد أن علقوا عليه آمالا واهية، ولو كان ذلك على حساب المبادئ والمنطق، حتى لو طبع فعلا مع الكيان المنبوذ وسلم كل سوريا لهم مقابل احتفاظه بالكرسي وقد كان بالأمس ينتقد حكام دول الخليج الذين يعطون الجزية لأمريكا مقابل احتفاظهم بعروشهم، حسب قوله لأحمد منصور في إحدى لقاءاته السابقة لما كان يخفي وجهه مع جبهة النصرة…فما الذي تغير اليوم؟

من يقرأ التاريخ القديم أو الحديث طبعا لن يفاجئ من مثل هذه الانقلابات الحادة التي يغذيها الطمع في السلطة والنفوذ، مما يمكن أن تجد له عشرات بل مئات الأمثلة الواقعية. لكن السذج -وهم الغالبية للأسف- ممن لازالوا يركضون وراء كل ناعق يتستر بالدين، سوف يستغربون حتما لهذا التحول من النقيض إلى النقيض مما درجت عليه في الواقع أغلب الجماعات السلفية التكفيرية وجماعات الإسلام السياسي خارج محور الممانعة، والتي باتت اليوم مجرد أداة في يد الاحتلال الأمريكي و من وراءه المشروع الصهيوني لتسهيل تحكمه وتنزيل أجنداته التوسعية بالمنطقة العربية والإسلامية.

د. محمد أكديد
باحث في علم الاجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى