وجهة نظر

ما الغريب في اعتراف روبرت فورد بتدريب الجولاني بطلب بريطاني؟-إدريس عدار

    قبل أن يستوعب المهتمون تصريحات روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا، حول الجولاني، نقلت رويترز عن ثلاثة مصادر أن رئيس الأمر الواقع بدمشق وافق على تسليم مقتنيات الجاسوس الإسرائيلي، إيلي كوهين، لإسرائيل في محاولة لتهدئة التوترات مع تل أبيب، وإظهار حسن النية تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبحسب مصادر سورية، من بينها مسؤول أمني، ومستشار للرئيس السوري أحمد الشرع، وشخص مطّلع على المحادثات السرّية بين الجانبين، فإن الأرشيف جرى تسليمه كإشارة غير مباشرة من الشرع، ضمن مساعيه لخفض التوتر وبناء ثقة مع إدارة ترامب.
حاولت إسرائيل نفي الأمر. طبيعي أن تقوم بذلك لأن تصريحات المصادر السورية ستطيح بالرواية الإسرائيلية التي قالت إن عملية الاستعادة تمت عبر عملية استخباراتية معقدة، ولن يبقى لصورة النصر التي رسمها نتيناهو قيمة، وبالتالي ستنفي ما أوردته رويترز، غير أن فشل الموساد لمدة 60 عام في الوصول إلى معلومات حول إيلي كوهين يحيل إلى أن الجولاني هو صاحب التسليم.
لم يكن التسليم من قبل الجولاني عربونا على حسن نيته تجاه ترامب، كما زعمت المصادر، ولكن أداء لواجب الوظيفة التي تكلف بها حسب ما أورد روبرت فورد.
قال فورد خلال إلقاء محاضرة بدعوة من مجلس العلاقات الخارجية في بالتيمور بتاريخ 1 ماي 2025 :”كنتُ أحد الذين دربوا الجولاني لاستلام السلطة في دمشق بطلب من بريطانيا” موضحا أنه “تم اللقاء والتدريب في ادلب عام 2020 وعام 2023 “.
وأضاف “تم اختيار هيئة تحرير الشام لاستلام السلطة بقرار اممي ودولي بعد وصول المفاوضات مع نظام الأسد لطريق مسدود ، لأنها أكثر الجهات تنظيماً في سوريا ، وكانوا ينتظرون الوقت المناسب لنزع السلطة من الأسد ، وكانت فرق تدريب الجولاني متكونة من سفراء وخبراء استيراتيجين وضباط من المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية”.
قد يرى البعض في كلام فورد مبالغات لا تستقيم مع الواقع، خصوصا من لا زال ينظر إلى الجولاني رجل “ثورة” انتصرت وأسقطت نظاما. منذ البداية كتبت بأن ما جرى هو تمكين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة /فرع تنظيم القاعدة بسوريا) من السلطة بدمشق. ولهذا فتصريحات فورد ليست غريبة، قد تكون مضطربة في بعض تفاصيلها لكنها تعزز الحكايات السابقة التي قيلت في حق الجولاني وهيئته، وهو ما دونته سابقا، حول “الثورة السورية” برواية صانعيها وسرديات جديدة عن “الثورة السورية”. حاولت تتبع مسار التطور الذي عاشه الجولاني إلى أن تم تشذيب لحيته في صالون حلاقة أمريكي قبيل توصيله إلى القصر الجمهوري بدمشق.
روبرت فورد يتحدث عن تكليف بريطاني. أمريكي تُكلفه المخابرات البريطانية، كيف؟ هل هم شيء واحد أم كل يعمل على شاكلته؟ قد يختلفون في الأهداف لكن أجمعت هذه الأجهزة على توظيف كل شيء من أجل إسقاط سوريا وإخراجها من نسق “ممانع” إلى نسق آخر حتى لو كان برسم الفوضى.
لعدما عجز الإعلام المساند للجولاني عن تبرير ما قاله فورد لجأ على حيلة أخرى وهي أن فورد لم يقل إنه قام بتدريبه على تولي السلطة، ولكن فقط شارك بتأهيله ضمن برنامج لمنظمة بريطانية. “ما ماتش غير خرجو مصارنو”.
هذا التأهيل سيظهر في كلام جون بولتون، المستشار السابق في الأمن القومي الأمريكي في مقال خص به إندبندنت عربية، حيث “لا يلتقي الرؤساء الأميركيون عادةً إرهابيين، لكن الشرع تلقى فيما يبدو نصائح جيدة في مجال العلاقات العامة بعد استيلائه على السلطة: لقد تخلى عن لقبه، وقصر لحيته، واستبدل بزته العسكرية ببدلة وربطة عنق، فبدا أشبه برجل أعمال منه إلى إرهابي، لكن هل تخلى الشرع و”هيئة تحرير الشام” فعلاً عن العقلية الإرهابية؟”.
ليست المرة الأولى التي يظهر فيها اسم بريطانيا كشريك في الحرب على سوريا وإسقاط النظام، ولكن تعدد التقارير عن ذلك، بل حتى أن الحزب الشيوعي البريطاني في بيانه عقب تمكين هيئة تحرير الشام من السلطة بدمشق، أشار مباشرة إلى تورط بلاده في الموضوع.
في بيان تحت عنوان “أيها الإمبرياليون إرفعوا أيديكم عن سوريا”، دعا فيه إلى إنهاء تورط الحكومة البريطانية والقوى الإمبريالية الأخرى في الحرب في سوريا، وإنهاء العنف وتقرير واحترام حق الشعب السوري في تقرير مصيره.
وأوضح أن هذه القوى تمّ تسليحها وتمويلها وتنظيمها وتوجيهها، من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وحلف شمال الأطلسي وتركيا وإسرائيل لأكثر من عقد من الزمان.
وشدد على أن هذه المأساة، التي ظهرت في 2011 وتسبّبت بالمجازر وبتشريد الملايين من الناس، وصعود الجماعات الجهادية بما في ذلك تنظيم داعش، تم تدبيرها من قبل القوى الإمبريالية، التي تهدف إلى تقطيع أوصال سوريا وضمان وجود دولة مطيعة لضمان سيطرتها على الثروة النفطية السورية والموقع الاستراتيجي للبلاد في الشرق الأوسط.
وقال الحزب الشيوعي البريطاني إن “الولايات المتحدة ووكلاؤها احتلوا الأجزاء الشرقية من سوريا منذ عام 2015 وحتى يومنا هذا. ومن الواضح أنّ توقيت هذا الهجوم الجديد، يتزامن مع الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة وحربها على لبنان والأهداف الإسرائيلية في المنطقة.”
وشدد الشيوعيون البريطانيون على أن استعمال الأصوليين الهمجيين راسخ في سجلات الإمبريالية، من أفغانستان إلى ليبيا والآن سوريا. مؤكدين على أن الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء الناتو الآخرين، يخلقون ويسلّحون هذه الجماعات دون أي اهتمام بالمذابح والجرائم الأخرى التي يرتكبونها.
وانتقد الحزب الشيوعي البريطاني الدعاية الممجوجة التي هيمنت على وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة البريطانية والتي سوقت للجهاديين المعتدلين، مشددا على أنها إهانة لكل أولئك الذين ذُبِحوا أو أصبحوا لاجئين على يد هذه “الجماعات المعتدلة” في سوريا لأكثر من عقد من الزمان.
واتهم بريطانيا في التورط في هذه المأساة التي ظهرت في 2011 بصفتها عضوًا في حلف شمال الأطلسي وشريكًا صغيرًا للولايات المتحدة.
وأكد أن بريطانيا ساهمت في تمويل وتسليح المنظمات الإرهابية التي اقتحمت دمشق الآن. وساعدت بريطانيا المعارضة السورية بـ215 مليون جنيه إسترليني عبر 13 مشروعًا مختلفًا، تزامنت مع عودة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة، في إدلب، فيما تبقى أسماء باقي التنظيمات مجهولة باستثناء الجماعة المذكورة وحركة الحزم وجيش الإسلام.
وكانت الصحافة البريطانية قبل أربع سنوات فجرت معلومات خطيرة عن تورط بريطانيا في سوريا، ففي 21 يوليوز 2021 صدر تقرير عن مؤسسة البحوث الاستقصائية البريطانية، تطرق إلى أن الحكومة البريطانية أنفقت خلال خمس سنوات (من 2016 إلى 2021) 350 مليون جنيه إسترليني أي نحو 477 مليون دولار لدعم وتمويل الإرهابيين في سوريا ممن تطلق عليهم معارضة مسلحة معتدلة، ووصف التقرير هذا التصنيف بأنه تضليل.
وذكر التقرير إن الحكومة البريطانية استخدمت صندوق “وايتهول..الصراع والاستقرار والأمن” لتمويل مشاريع الإرهابيين بسوريا، تحت عناوين زائفة والترويج لهم إعلاميا على أنهم مسلحون معتدلون.
وأوضح التقرير أن الصندوق المذكور موّل 13 مخططا بملايين الجنيهات من ميزانية المساعدة البريطانية المخصصة لما تسميه الحكومة البريطانية هزيمة الفقر ومعالجة عدم الاستقرار وخلق الرخاء في البلدان النامية.
وكانت صحيفة تلغراف البريطانية نشرت تسريبات سنة 2020 عن دور بريطانيا في الحرب الإرهابية على سوريا، وكشف عن الدخول المبكر منذ 2011 في وقت تقول مصادر الحزب الشيوعي البريطاني أنها قبل هذا التاريخ.
وأشار التقرير إلى أن بريطانيا شرعت في تمويل ودعم الإرهابيين في سورية منذ 2011 وتحت مسميات مختلفة، وتزامنت عمليات الدعم هذه مع برنامج سري ضد الدولة السورية أسهمت فيه بريطانيا بمشاريع صندوق “النزاع والاستقرار والأمن”.
وأكد التقرير أن أحد المشاريع كان بهدف دعم إعادة هيكلة التنظيمات الإرهابية (تصفها بريطانيا بالمعارضة المسلحة المعتدلة)، وأن هذا البرنامج تم إطلاقه بالتزامن مع تغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام.
ورصدت الدايلي تلغراف قيام بريطانيا ببعث ضباط وقوات من أجل تدريب الإرهابيين في سورية وذلك في أربعة بلدان هي تركيا وقطر والأردن والسعودية.
وأكد التقرير المشار إليه إلى هناك برنامجا خاصا مولته وزارة الخارجية البريطاينة، ولم تكشف الصحافة البريطانية من يديره.
فكيف نستغرب إذا قال روبرت فورد إنه درّب الجولاني على تولي السلطة؟
يبدو أن الغرض من كثافة الحديث عن تدريب الجولاني من قبل بريطانيا وحماية أمريكا لهذا المشروع، هو قطع الطريق أمام طموحات القوى الإقليمية التي استثمرت في هيئة تحرير الشام، واعتبرتها وسيلة لتحقيق طموحاتها.
وبين الجولاني وترسيمه في المنصب المكلف به عشرات الأهداف التي عليه تحقيقها، وقد سردها جون بولتون في مقالته المذكورة، ومنها إعدام أي شيء يشير إلى حلم السيادة الوطنية عبر الانخراط الكلي في المشروع الأمريكي، قال بولتون “إذا كان الشرع قد تخلى فعلاً عن الإرهاب، عليه أن يكشف القائمة الكاملة لممولي “جبهة النصرة” على مر السنوات. كذلك يجب أن يلتزم التعاون مع الأكراد، ولا سيما “قوات سوريا الديمقراطية”، في تأمين احتجازهم آلاف الأسرى من تنظيم “داعش”. ويجب سجن الإرهابيين الآخرين في سوريا، لا طردهم، وفق اقتراح ترمب، ذلك أن طردهم يتيح لهم العودة إلى ممارسة الإرهاب في أماكن أخرى”.
لا يزال أمام الشرع ونظام “هيئة تحرير الشام” الذي يترأسه طريق طويل قبل أن يستحقا اعترافاً كاملاً وشرعية من الولايات المتحدة. هذه “الصفقة” لم تبرم بعد.
إذا أضفنا كلام روبرت فورد إلى كلام حمد بن جاسم آل ثاني وهيلاري كلينتون وتسريبات إدوارد سنودن وتصريحات جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، بالإضافة طبعا إلى التقارير المتعددة نكون أمام رواية قريبة من التواتر حول الصفة الوظيفية للجولاني في المشروع الأمريكي الغربي لتحييد سوريا عن لعب أي دور مؤثر في المنطقة.

ادريس عدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى