الكاتب المغربي أحمد قابيل
لا نحتاج لتكرار أهمية التنظيم الجهوي الذي دخل فيه المغرب، وما يعنيه من اعادة الاعتبار للهوامش المغربية التي انتظرت كثيرا هذه «اللحظة التاريخية»، بعد أن كان الاهتمام منصبا كثيرا على المركز، على العاصمة وما جاورها، أو على المراكز الحضرية الكبرى اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
التنظيم الجهوي يعنينا منه هنا الشق الثقافي الذي تم التنصيص عليه في متن القانون المنظم للجهات، سواء ضمن الاختصاصات الذاتية التي تقوم بها الجهة أو ضمن الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة، إذ نقرأ ضمن الاختصاصات الأولى في المادة 82 : «الاسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها – تنظيم المهرجانات الثقافية والترفيهية».ونقرأ ضمن الاختصاصات المشتركة مع الدولة في المادة 91 «الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية – صيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية – أحداث وتدبير المؤسسات الثقافية» . هكذا نجد إذن في هذا القانون الاهتمام بالجانب المادي وبالجانب اللامادي للثقافة، مما يعني أن الذين سيُكلفون بتدبير هذا الشق الثقافي في التنظيم الجهوي، ستكون عليهم مسؤولية كبرى في العناية بالثقافة المحلية وصيانتها والمحافظة عليها وتطويرها، خاصة أن الكثير من عناصر هذه الثقافة المادية واللامادية قد يضمحل أو يزول إذا لم نسارع بإنقاذه ورعايته: أتكلم هنا عن الكثير من الآثار التاريخية التي تعج بها كل مناطق المغرب بدء من آثار العصر القديم والعصر الحجري (النباتية، الحيوانية : الديناصورات، الإنسان القديم إلخ…) إلى الآثار الفينيقية والرومانية إلى الإسلامية، إلى الإرث الاستعماري وما خلفه من بنايات ومعالم معمارية نجدها في كل جهات المغرب. وأتكلم هنا عن كثير من المعالم الحضارية التي بدأنا نفتقدها بحكم التطور من ملابس تقليدية وحلي وأواني منزلية قديمة وفنون تشكيلية نجدها في الزرابي والأنسجة التقليدية ..وهو ما يتطلب منا إقامة متاحف جهوية في كل عواصم الجهات، للحفاظ على هذه الآثار التاريخية واغنائها باستمرار عن طريق الشراء والاقتناء أو الاهداء، قبل أن نراها تباع في المزادات العلنية في البلدان الأوروبية أو الأمريكية. وأتكلم أيضا عن الموروث الموسيقي والغنائي المحلي والجهوي الغني والمتنوع الذي يميز كل منطقة عن الأخرى، وضرورة الحفاظ عليه ليس فقط بإقامة المهرجانات و«المواسم»، ولكن أيضا بتشجيع البحث العلمي والتاريخي حوله بشراكة مع الجامعات والمعاهد المحلية ومع الباحثين المختصين، وطباعة ونشر هذه الأبحاث. وأتكلم أيضا عن كل فنون الفرجة التي تزخر بها كل منطقة، وكل ذلك يقتضي إقامة بنيات ثقافية ترعى هذه الفنون من معاهد موسيقية ومسرحية . إنه عمل جبار لا يجب الاستهانة به، ولابد من الإعداد له ماديا ومعنويا. وللحديث بقية.
ahkabil@gmail.com