اخبار دولية

قرصنة “مادلين”: جريمة في عرض البحر وصمت دولي مطبق

عزيز الحنبلي -تنوير

في تكرار مؤلم لمشهد الاعتداء على سفينة “مرمرة الزرقاء” عام 2010، أقدمت قوات كوماندوز تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤخرًا، على اعتراض سفينة الإغاثة “مادلين” في عرض البحر الأبيض المتوسط، داخل المياه الدولية، واعتقال طاقمها المكوّن من 12 متضامنًا دوليًا كانوا في طريقهم إلى قطاع غزة، في مهمة إنسانية بحتة تحمل مساعدات طبية وغذائية عاجلة.

السفينة المدنية، التي ترفع علمًا أجنبيًا، وتقل طاقمًا أعزلًا من المتطوعين، لم تشكّل أي تهديد أمني. ورغم ذلك، تم اقتحامها بعنف وسحبها قسرًا إلى ميناء أسدود، في عملية تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وقانون البحار، وتُصنّف قانونيًا كجريمة قرصنة ترعاها دولة.

رغم فداحة الحادثة، جاء الرد الدولي، كالمعتاد، باهتًا وباردًا، يكتفي بعبارات القلق والدعوة لضبط النفس، في وقت يستمر فيه الحصار الإسرائيلي القاتل على أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، بحرمانهم من أساسيات الحياة، في انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة وكل الأعراف الإنسانية.

أسئلة بلا أجوبة: إلى متى الصمت؟

  • كيف يمكن قبول عملية عسكرية ضد مدنيين في عرض البحر دون رد فعل دولي حاسم؟

  • لماذا تكتفي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتصريحات الرمادية، دون اتخاذ إجراءات عقابية؟

  • إلى متى تبقى الدول العربية والإسلامية عاجزة عن اتخاذ مواقف فاعلة تليق بحجم الجريمة؟

  • ما جدوى القيم الإنسانية إذا بات المتضامنون يُعتقلون، ويُكافأ الجلاد بالتطبيع والدعم العسكري؟

هذه الأسئلة لا تتوجه فقط إلى صانعي القرار، بل إلى الضمير الإنساني العالمي: إلى الشعوب، إلى الإعلام، إلى المؤسسات الحقوقية، إلى كل من لا يزال يؤمن بالعدالة والحرية.

العملية تؤكد استخفاف الاحتلال الكامل بالرأي العام العالمي، وازدياد تغوله الأمني والعنصري. فكل محاولة لفك الحصار أو التعبير عن التضامن تُقابل بالعنف والاختطاف. وهذا النهج يزيد من عزلة إسرائيل الأخلاقية، رغم حمايتها من بعض القوى الغربية.

الغضب الشعبي في بعض الدول العربية والإسلامية لم يقابله رد رسمي يرتقي إلى مستوى الجريمة. لم تُستدعَ سفارات، ولم تُجمّد اتفاقيات، ولم تُرفع قضايا في المحافل الدولية. هذه الفجوة تعكس ضعف الإرادة السياسية وابتعادها عن نبض الشارع العربي.

رغم انتظار تقارير من منظمات كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلا أن أثرها السياسي يظل محدودًا، ما لم يترافق مع ضغط رسمي وجماهيري واسع يفرض على الدول اتخاذ مواقف ملزمة تجاه الاحتلال وجرائمه.

سفينة “مادلين” ليست مجرد قارب في البحر، بل رمز للمقاومة المدنية، وللمعركة بين الضمير الإنساني والتوحش المنظم. من كان على متنها لم يحملوا سلاحًا، بل رسالة كرامة. واعتقالهم ليس فقط انتهاكًا لحقوقهم، بل إهانة لكل من يناصر القيم والعدالة.

الاعتداء على “مادلين” جرس إنذار. غزة ليست وحدها، وكل من يرفض الظلم بات مستهدفًا. ومن يسكت عن هذه الجريمة، يصبح شريكًا فيها، بصمته، أو بمساوماته.

العدوان على “مادلين” ليس حادثًا عابرًا… بل لحظة كاشفة لانحدار أخلاقي عالمي، واختبار للضمير الإنساني: إما أن يُسمع صوته، أو يُسحق تحت أنقاض النفاق الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى