لعل المتابع لاحظ أن رئيس حكومة الاحتلال الاسرائلي ، بعد مفاوضات ماراطونية مع ممثلي الحريديم -الاشكناز و تأمين حكومته ل 61 صوتا من أصل 68 الضامنة للأغلبية ضد مشروع قانون حل الكنسيت في القراءة الأولى ، بادر مباشرة فجر 13يونيو إلى تفعيل مخطط الهجوم على البنية النووية لإيران و رموزها العسكرية والعلمية .
ولفك الارتباط بين الحدثين صرح رئيس الحكومة أنه منذ أزيد من أربعين سنة وهو يعد للقضاء على الخطر النووي الإيراني حتى لا يظهر قرار الهجوم كسعي منه لأسباب سياسية /شخصية لتوسيع دائرة الحرب إقليميا وفرض الإجماع الوطني حول حكومته.. . وهنا يطرح السؤال : هل قرار توسيع الحرب الآن لتشمل إيران ..هل هو مجرد هروب سياسي لتجميد دينامية حل الكنيسيت وإسقاط الحكومة أم أن القرار تتويج لمكاسب صهيونية ضد مكونات محور المقاومة .. ومحاولة لوقف التفاوض الأمريكي الإيراني أو أنه توزيع أدوار في الموقف الأمريكي بين جزرة الإغراءات برفع العقوبات والعصا الصهيونية ..لكسر تمسك إيران بشروطها خاصة حقها في تخصيب الأورانيوم على أرضها ؟ ولا بد من التنبيه إلى أن التساؤلات المذكورة وغيرها ، ليست وليدة حدوس منطقية تروم اكتناه الحدث .. بل كل منها يؤشر إلى دينامية خاصة يفضي تتبعها إلى نهايتها إلى نتيجة مختلفة .. وأن من مميزات الحدث الدولي في زمن احتدام الصراع هو شدة اللبس المتعمد لجعل قراءة نوايا العدو مضطربة وهذا ما لوحظ في مستوى الاستعداد الإيراني للتصدي للهجوم ظنا منها أنه لن يحدث قبل المفاوضات المزمع عقدها مع أمريكا يوم الأحد بمسقط ..
يتفق المحللون العسكريون على أن توظيف عشرات الطائرات للهجوم غير ممكن تقنيا دون مساعدة أمريكية و بريطانية لتزويدها بالوقود جوا ، إذ أن مدى طائرة ف 35 لا يتجاوز 1200 كلم بينما الأهداف الإيرانية تبعد في الأقل ب 1400 كلم ..وهو استنتاج أكده الإعلام الإيراني بكشفه عن محاصرة الحرس الثوري لبارجة بريطانية جنوب المحيط الهندي تعمل على تزويد الاحتلال بصور الأهداف والأحداثيات .. مما يجزم في أن الهجوم كان منسقا ومتفقا عليه بين الاحتلال وأمريكا وبريطانيا في الأقل .
ثمة نقطة ثانية أكد عليها الخبراء العسكريون مؤداها استحالة تدمير البنية النووية الأساسية لإيران بواسطة الهجمات الجوية مادامت مفاعلات التخصيب الأساسية مركبة تحت بطون الجبال ولا تطالها الصواريخ الدقيقة ..وهذا ما تبين من الضربة إذ اقتصرت على مفاعل نطنز السطحي ولم تخترق المفاعلات المطمورة .. وهو عجز عوض عنه الاحتلال باغتيال قيادات عسكرية وعلماء نوويين .. بواسطة اختراقات أمنية داخلية إذ تفيد تقارير أن استهدافهم كان بواسطة صواريخ انطلقت من داخل إيران نفسها ..
الظاهر أن الهجمة النوعية للاحتلال على إيران تستند إلى قراءة لحجم مخاطر الرد والعمل على توظيفه في حال تجاوزه للسقوف المتوقعة لجر أمريكا إلى المشاركة المباشرة في مجهود الحرب .. فمن جهة وبعد أن حيّد الاحتلال الجبهات البرية الملاصقة له بريا ( حزب الله ، سوريا والحشد الشعبي ) بات يؤمن حدوده المباشرة من أي رد بري قريب من طرف حلفاء إيران وهو ما يعني أنه استثمر هذا المكسب الجزئي ووظفه لخدمة قضيته الأساسية المتمثلة في تصفية مركز المحور .. إذ أن هذا المكسب جعل الإمكان الوحيد للرد الإيراني محصور على حرب الصواريخ .. وهي حرب يمتلك مقومات لمواجهتها بدءا من الدعم الاستخباري الذي توفره القواعد العسكرية الغربية بالمنطقة ، وعمالة / تحالف بعض الحكومات العربية وإن كان الأهم من كل ذلك هو الطبقات الخمسة من منظومات الدفاع الجوي التي وفرها له الحلف الأطلسي . ولئن أثبت الرد الإيراني إلى غاية اليوم قدرته على إيلام الاحتلال الإسرائلي وخلبطة حساباته الدفاعية .. إلا أنه رد يجب أن تحكمه ” سياسة الردع الفاعل ” دون الذهاب بعيدا في المواجهة .. فمن جهة أن إيران لم تتلق ما كانت تتوقعه من حلفائها الكبار خاصة الصين وروسيا باستثناء الموقف الصريح لباكستان – والذي سيكون مدعوما بالضرورة من قبل الصين – والذي جعل الاحتلال يعيد حساباته بشأن اللجوء إلى الخيار النووي .. ومن جهة ثانية لا يمكن للاستعمار الغربي القبول بتصدع قاعدته الأمامية في السيطرة على المنطقة ( = إسرائيل ) ولذلك سيضطر عند النقطة الحرجة إلى التدخل المباشر في الحرب ، وهو ما يراهن عليه الاحتلال ، لقلب الموازين .. ومهما كان الثمن .
ترى هل ستستمر إيران في المفاوضات النووية مع أمريكا ؟ تقديري أنها ستستمر بعد تلكؤ محسوب لأنها معنية أكثر برفع العقوبات الاقتصادية عنها .. وميزان القوى الذي سينتج عن الحرب هو من سيعيد بناء برنامجها للتفاوض .. إن أنجزت ردعا واضحا ولا غبار عليه .. سيمكنها الانسحاب من اتفاقية منع الانتشار النووي بعد أن تعرضت قاعدتها النووية للاعتداء وهذا ما يوفره ميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وإن تعذر عليها تحقيقه ، سيتشجع العام سام لإملاء شروطه وضمنها تفكيك البرنامج النووي ..معضلة حكومة إيران أنها لا تسطيع الرد بكل قوتها لمنع انخراط القوى الاستعمارية المباشر في الحرب ، ولا تستطيع سلوك سياسة ضبط النفس لضغط شعبها ولشعورها بالتهديد الوجودي .. وحده تدخل مجلس الأمن يستطيع توفير مخرج مقبول للجميع .. وسيكون اختبارا حقيقيا لشعارات ترامب حول انسحاب أمريكا من الحروب .