وجهة نظر

المنازلة الكبرى: “إسرائيل” ثكنة متقدمة لدولة خزاريا الخفية – إدريس عدار

    بعد أن استطاعت إيران صناعة معادلة جديدة في “المنازلة” مع “إسرائيل”، وهي منازلة غير مسبوقة، تساءل كثيرون عن الوضع كيف سيكون إذا تدخلت أمريكا بشكل مباشر. هذه الفرضيات مبنية على الفصل بين المشروع الأمريكي والمشروع “الإسرائيلي”، وهو فصل تغيب عنه الارتباطات العميقة، بل تغيب عنه هوية “إسرائيل” السياسية، التي لا تعدو أن تكون ثكنة متقدمة لدولة خزاريا الخفية.
لقد تتبعت الباحثة تاتيانا غراتشوفا في كتابها “دولة خزاريا المخفية” عشرة قرون من المسألة “اليهودية”، منذ سقوط دولة خزاريا التي كانت على بحر قزوين إلى السيطرة على الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبرها الكاتبة هي دولة خزاريا المخفية. فإسرائيل مشكلة من متهودين من بقايا يهود خزاريا، وبالتالي لا يمكن فصل المشروعين. غير أن ترامب لا يريد توريط المصالح الأمريكية في المنطقة، وإلا فإن المعركة هي معركته قصد تركيع إيران في المفاوضات حول النووي.


ماذا سيقدم الأمريكي لتكنته من وسائل؟ نتنياهو يقول اليوم إنه غير قادر على تدمير المفاعلات النووية لوحده، ونقل أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين إنهم طلبوا رسميا من أمريكا الدخول في المعركة، والحديث عن قنابل اختراقية قد لا تنفع، فقد اعترف غروتسي، المدير العام للوكالة الدولية (تم ضبطه يتعامل مع تل أبيب)، أن المفاعلات النووي تقع تحت الأرض بعمق كبير يصل إلى حوالي 800 متر.
ولهذا فإن توقع التدخل الأمريكي لن يعدو تغيير الأساليب والسلاح، وإلا الحرب فهي أمريكية لأن نتنياهو لن يصمد أمام المقاومات وليس أمام دولة سيادية ولها اقتدار من حيث الصناعة والسلاح.
هم يعرفون من يحاربون، فهذه الدولة التي يواجهون، جربت حربا مدمرة كانت تديرها أمريكا ولمدة ثماني سنوات، وخرجت منها مقتدرة بل كانت سببا في اقتدارها، وكل يوم يخرج الإيرانيون يطالبون بمزيد من الضربات ومساندين لبلادهم، بمن فيهم معارضون للنظام، بينما الإسرائليون أصبحوا يقضون معظم أوقاتهم في الملاجيء.
ظن الإسرائيلي أنه بضربة “الغفلة” كان بإمكانه حسم المعركة لصالحه وخرج مبتهجا.


ينبغي التأكيد على أن ما تعرضت له إيران صبيحة الجمعة ليس بسيطا حيث تم اغتيال كل القيادة العسكرية، مع تعطيل شامل للدفاعات الجوية، بما يوحي بتعاون داخلي كبير، قد يشبه “حالة انقلاب” تم إفشاله، ولهذا بعد استجماع الخيوط من جديد شرعت الدفاعات الجوية في التصدي للهجمات وإسقاط الطائرات الإسرائيلية بل احتجاز ربان أنثى تم الهجوم، الذي لم تتوقعه القيادة في تل أبيب.
فتعطيل الدفاع وضبط شبكات ومتفجرات وقنابل ومسيرات يوحي بأن هناك تعاون أرضي من الداخل كان في مستويات معينة قادرا فتح المجال للإسرائيلي لعبثه الابتدائي، وبمجرد لملمة الأمور انقلبت الأمور، التي لا يمكن التنبؤ بمدياتها، في ظل سيطرة الحماقة على رأس جيش العدو ورأس البيت الأبيض.
غير أن إيران تعاملت بعقل “فارسي” مع الضربة، وهو العقل الذي لا ينفعل بل يبحث عن الوقوف، وامتزجت هذه الروح بالروح الإسلامية، حيث يحكي مسؤولون إيرانيون أنه بعد احتلال خرمشهر بالكامل من قبل الجيش العراقي، ترددوا في الطريقة التي يمكن من خلالها إخبار الإمام الخميني، وتركوه إلى صلاة العشاء، وعندما كبّر أخبره واحد من القادة، فقال “إنها الحرب، الله أكبر” وأكمل الصلاة.
كما تعاملت مع مشروع الحرب عليها بصبر كبير، فهو مشروع ليس بجديد، ولكن لو كانت هي التي قادت الحرب ابتداء، لتم فورا استصدار قرار من مجلس الأمن لحرب دولية ضدها، وسيكون فعلا محرجا لحلفائها، فهي نفسها لحد الآن لم تدعم روسيا علانية، والصين حليفة روسيا تدعو إلى حوار الأطراف ولا تعلن انحيازها لروسيا رغم الدعم من تحت الطاولة. لكن اليوم هي في حالة دفاع عن نفس مشروع وفق القانون الدولي.


وفي هجماتها عبر الفرط صوتي والمسيرات اختارت أهدافا دقيقة، فرغم الأخبار التي ينشرها الإعلام الموالي لإسرائيل، فإن ما استهدفه مرتبط بأهداف عسكرية وأمنية واستخباراتية ومركز وايزمان للأبحاث النووية، وهذه الدقة مهمة في رسم صورة المحارب، الذي ليس غرض قتل المدنيين، في وقت استهدفت فيه إسرائيل طائرة ركاب مدنية نجت بأعجوبة واستهدفت منازل سكنية.
ويبدو أن إسرائيل ذهبت إلى أوراقها الكبرى في الضربة الأولى باغتيال قادة الجيش والاستخبارات ومهاجمة مفاعلي نطنز وفوردو، فكل الهجمات الأخرى لم تعد قابلة للتسويق لدى الإسرائيلي، الذي يعيش أغلب أوقاته في الملاجئ، بينما أوراق إيران ما زالت كلها فوق الطاولة، تسير بشكل تصاعدي من حيث الضربات التي توجهها للعمق الصهيوني، لكن أوراق أخرى ما زالت بحوزتها.
المتحدث باسم الجيش الإيراني اليوم توجه إلى الإسرائليين ليقول لهم إن هذه الأرض لم تعد صالحة للعيش، وحاول نتنياهو بعد الضربة الأولى استنفار الشعب الإيراني، الذي رد عليه بمظاهرات كبرى داعمة لدولته، بينما الإسرائيلي لا يستطيع العيش في دولة غير قادة على حمايته.
كما تمتلك إيران ورقة النفط، إذ قال مستشار خامنئي ان مس نفطنا لن ينعم أحد بالنفط، ولدى إيران للتحكم في مضيق هرمز.
هكذا تخلق المعادلات في حرب عنوانها صراع إرادات وكسر عظام، فما يقوم به الإيراني اليوم هو ما أكدته الحرب منذ قرابة سنة ونصف التي صنعت معادلة “إسرائيل غير الآمنة”، وهذا لأول مرة في تاريخ الكيان، وليس عبثا أن يقول نتنياهو إننا نخوض معركة وجود.

الصور:
1- الصورة البارزة في المقال -دمار في تل أبيب
2- مسيرات إيرانية احتفال بضرب إسرائيل
3- إسرائليون في الملاجيء
4- مبنى ويزمان للأبحاث النووية.
لم أنشر صورا للخسائر في إيران لأن الإعلام الإيراني ينشرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى