ثقافة و فن

الفنان التشكيلي عبد القادر مسكار: الفن بحث دائم عن شكل جديد للحقيقة

تواصلت جريدة “تنوير” عن بعد مع الفنان التشكيلي عبد القادر مسكار المتواجد حاليا بفرنسا وأجرت معه الحوار التالي:
1ـ من هو الفنان التشكيلي عبد القادر مسكار؟
أنا فنان تشكيلي مغربي من مواليد سنة 1961. نشأت في بيئة تزخر بالتقاليد والرموز البصرية، فتشبعت منذ الصغر بحس جمالي وجداني. مساري لم يكن أكاديميا خالصا ولا فطريا صرفا، بل هو تقاطع بين الدراسة، التجريب، والانصات للذاكرة الشعبية. عشت تجربة المنفى، وشاركت في معارض داخل المغرب وخارجه، في كل من ألمانيا، إسبانيا، الجزائر، فرنسا، وإيطاليا، منذ أن كان محمد بن عيسى وزيرا للثقافة، وما زلت أؤمن بأن الفن هو بحث دائم عن شكل جديد للحقيقة.

2 ـ كيف بدأت رحلتك في الفن التشكيلي؟
البدايات كانت متواضعة: رسوم على دفاتر الدراسة، تلوينات في زوايا البيت، وانبهار بلغة الخط العربي. في الكتّاب تشكلت أولى بذور الحرف، ثم انطلقت إلى الفنون التطبيقية رغم تحفظ العائلة. هناك بدأ الوعي بأن الجمال ليس ترفا، بل سؤال عميق عن الذات والعالم. تعمق هذا المسار في المهجر، حيث أعادتني الغربة إلى جوهري، وحفّزتني على تحويل الحنين إلى عمل بصري.

3 ـ من هم الفنانون الذين ألهموك في مسيرتك الفنية؟
من المغرب، احببت كثيرا ألوان الشعيبية طلال، وعمق الشرقاوي، وبصمة الغرباوي، وجرأة المليحي. أما عالميا، فقد ألهمني ماتيس بألوانه، وبول كلي بطفوليته العميقة، وكاندينسكي بحسّه الموسيقي، وباسكيا بطاقته الفوضوية، وميرو بخفته الرمزية، وشاكال بعالمه الحلمي. كل هؤلاء رافقوني كأصوات داخلية، لا كقدوة تقليدية.

4 ـ الملاحظ أنك أدمجت فن غناء العيطة في إبداعاتك الفنية التشكيلية. ما هي الرسالة التي تود إيصالها من خلال هذا الدمج؟
العيطة ليست مجرد تراث، بل ذاكرة صوتية حية تختزن وجدان المغاربة، من الفرح إلى المقاومة. بدأت الاشتغال على موضوع العيطة منذ الثمانينيات، وكنت أول من أدخل فرقة العيطة إلى قاعة العرض بالمغرب، في ربط مباشر بين المتلقي، والموضوع، والعمل الفني. استلهامي للعيطة هو محاولة لترجمتها بصريا، لإعطاء صوت لما هو مكتوم في اللاوعي الجماعي، وجعل اللون والخط والفراغ يحملون تلك الصرخة التي تخرج من الحنجرة وتخترق الزمن.
العيطة، مثل البلوز في الثقافة الأمريكية، نابعة من المعاناة والحنين والاحتجاج. كلاهما فن شفهي، يعبر عن الجرح الجمعي والتمسك بالحياة رغم الألم، وهو ما يجعل الاشتغال عليهما بصريا فعلاً يحمل أبعادا إنسانية وجمالية عميقة.

5 ـ ما هي التحديات التي واجهتها في هذا المشروع؟
أكبر تحدٍّ كان كيف أنقل هذه التجربة السمعية الشفوية إلى حقل بصري دون أن أقع في التبسيط أو التزويق. كان علي أن أبتكر لغة تشكيلية تُلامس الجوهر لا القالب، وتستحضر البعد الأنثوي والدرامي في العيطة دون أن أؤطرها. ثم هناك تحدي التلقي: كيف أجعل جمهور الفن يتفاعل مع هذه التجربة دون أن يشعر بالغربة أو الغموض.

6 ـ ما هي مشاريعك الفنية المستقبلية؟
أنا بصدد الاشتغال على مشروع بصري يتناول مفهوم “الظل” في الثقافة المغربية، من الظل في التصوف إلى الظل كملجأ شعبي من حرارة الواقع. كما أستعد لمعرض خارج المغرب. أؤمن بأن الفن يجب عليه أن يُراكم طبقات من الأسئلة، لا أن يكتفي بالإجابة.

7 ـ كيف ترى تأثير الفن التشكيلي على المجتمع المغربي؟
الفن التشكيلي في المغرب يعاني من تهميش في الخطاب العام، لكنه يملك طاقة عميقة للتأثير. حين يصل الفن إلى الشارع، إلى المدرسة، إلى فضاءات العيش اليومية، يمكنه أن يغير الذهنيات. الفن لا يعطي حلولًا، لكنه يفتح نوافذ، وهذا وحده كافٍ.
8 ـ قبل أن ننهي الحوار معك، ألا تفكر في معرض فني احتفالي يجمع بينك كعارض لوحات فنية، وبين حسن نجمي الشاعر الباحث في فن العيطة لتوقيع كتابه “فن غناء العيطة”؟
فكرة مغرية جدا. سبق أن قرأت كتاب الاخ العزيز حسن نجمي بإعجاب، وأنصح الجميع بقراءته. وجدت فيه عمقا نقديا ووجدانيا يُقارب العيطة كفعل ثقافي لا فقط كغناء. الجمع بين الكلمة والصورة، بين البحث واللوحة، سيكون لحظة احتفال بالذاكرة المغربية، وأنا مستعد لخوض هذه المغامرة بكل حب.
إعداد: عبد العالي سراج الدين وأحمد رباص

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى