المغاربة و الأزمات حكاية تستمر
يعيش الكثير من المغاربة حالة من التوجس، نتيجة ما تعرفه الاوضاع الاجتماعية من متغيرات ، على رأسها الارتفاع في الاسعار ، و تزايد تكاليف الخدمات مقابل تدني الاجور ،و تعثر بعض القطاعات الاقتصادية عقب أزمة كورونا ، دون أن ننسى عواقب انخفاض معدل التساقطات و تطورات الوضع الدولي و ما ينتج عنه من تأثيرات اقتصادية لمواد أساسية في مقدمتها المحروقات ، هذا الوضع دفع الكثير لطرح سؤال ” إلى أين ؟ ” و منهم من كان أكثر عمقا و طرح سؤال لينين ” ما العمل ؟ ” ، لكن يحق لنا أيضا العودة للتاريخ ،و قراءة وضعنا الحالي على ضوء تاريخ الأزمات المغربية ، و نضع على أنفسنا السؤال التالي : هل المغرب يعيش وضعية غير مسبوقة اجتماعيا و اقتصاديا ؟
يعرف المغاربة بصغيرهم و كبيرهم هذه المصطلحات ” عام الجوع ” ” عام البون ” و ” بوهيوف ” ، و هي كلمات كانت عنوان لأزمات عاشها المغرب قبل عقود و عقود ، بل بقرون ، بداية بجفاف 1520 عندما انحبس المطر و أدى الوضع لارتفاع الاسعار و موت المواشي ، و انتشرت في البلاد أعمال الخطف و سرقة المواد الغذائية ، و في بعض المناطق كآسفي و أزمور اعتنق الكثير من المغاربة المسيحية مقابل وجبات غذائية ، و هو ما يؤكده المؤرخ الفرنسي روزن بيرجيبيرنار ، هذه المجاعة استمرت 4 سنوات ، صمد فيها المغاربة بشكل رهيب ، و بعدها بسنوات قليلة واجه المغاربة مجاعات اخرى ،هلك الآلاف لكن الصمود كان شعار المغاربة غير المعلن
كان حينها المغاربة يعزون هذه المجاعات لغضب إلاهي ، و كانوا أحيانا يعتبرون اقتتال السلاطين فتنة جلبت المجاعة كعقاب إلهي ، و هو الرأي الذي تبنته الدولة المغربية سواء في عهد السعديين أو العلويين ، أي اعتبار المجاعة و تدهور الاوضاع الاجتماعية غضب رباني ، بل تم توظيفها سياسيا ، بحيث اعتبرها سلاطين كثر غضب إلاهي بسبب من يعارضونهم ” عدم طاعة ولي الامر ” ، فكان حينها المغاربة يلجؤون للأضرحة و التضرع لله ، و صلاة الاستسقاء بل حتى أعمال خرافية.
اخر هذه المجاعات التي عاشها المغرب ، هي ما يعرف بعام البون ، و البون هو الوصل الذي كانت بموجبه تسلم المواد الغذائية ، هذه المرة لم يعتبر الامر غضب إلاهي ، لان أسبابها كانت واضحة ،الأمر كان متعلقا بمشاركة فرنسا في الحرب العالمية ، فكانت الازمة انعكاس لذلك على المحاصيل الزراعية المغربية .
في المجاعات و الازمات على مر التاريخ ، تفاعل المغاربة بأكل الجراد و حشائش الارض ، بل أكل المغاربة الكلاب و بعض الزواحف ، و منهم من اعتمد نباتات في التغذية كالخروب و الڭرنينة ، محاربة للمجاعة و الجفاف .
هل المغاربة اليوم سيقومون بالأمر نفسه في ظل ما تعرفه البلاد من تردي للأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية ؟
أكيد لا ، فالوضع مختلف و السياق ليس نفسه ،لكن النهج نفسه،المغاربة يتكيفون يوميا مع الاوضاع ،و يقومون بردود فعل لا تقل نضالية عن ما فعله الاجداد في تفاعلهم مع الأزمات ،صحيح لا يأكلون لحوم بعضهم ماديا ،لكننهم اليوم يفعلون ذلك بطرق اخرى ، خلقت مهن لم يكن لها وجود نهائيا ، عدد لا متناهي من حراس السيارات في كل الازقة ، كتاب ليسوا عموميون بل كتاب واقفون ، و هم شباب لم يستفيدوا من الدولة إلا تلك الحروف التي تعلموها في الابتدائي، فيقترحون خدمة ملأ الاستمارات و الاوراق الادارية مقابل دراهم قليلة ، تنضاف إلى التسول و التسول الإلكتروني ، دون أن ننسى كل أشكال الابتزاز الاخرى ،لكن في شق من ردود فعل المغاربة اليوم يشبه كثيرا الماضي ، فمشاهد الخطف و السرقة التي عاشها المغرب عقب المجاعات في القرن 16 ، تكررت قبل سنوات قليلة في سوق المواشي ، و بنفس الطريقة في سوق بضواحي القنيطرة قبل أيام .
لقد اقتلع المغاربة قبل قرون النباتات السامة ليسدوا الجوع ، اليوم يقتلعون الدراهم السامة ، دراهم تنهك كرامتهم .
خرج المغاربة في فترة الحجر الصحي من عنق الزجاجة ،بفضل قيمة انسانية واحدة و هي التضامن الانساني ، تحويلات من مغاربة العالم ، تكافل أسري ، اقتسام للأضرار ، و خطف ساعات عمل قبل الاغلاق و غيرها من وسائل ،وسائل يستحق عليها المغاربة وسام تدبير الازمات .
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم غير الاسئلة الكبرى ” المحاسبة ، المسؤولية ، التنمية … ” هو سؤال إلى متى ؟ ”
إلى متى سيستمر الوضع هكذا ؟ لماذا لم نستفد من تاريخ الأزمات ؟ هل قدر المغاربة تدبير الأزمات المتوالية ؟
إن الفرق بين أعوام الجوع و اليوم ، هو القهوة ، إبان عام الجوع كان يقال ” فرانك ديال القهوة كيعطر وجدة ” في إشارة للرفاه الذي قد يجسده شرب كأس قهوة >في زمن الجوع ، اليوم الكل بإمكانه ذلك ، لكنه ليس علامة للثراء بل علامة في كثير من الأحيان على البطالة .
ذ. أشرف بولمقوس