في زمن تتكالب فيه القوى الدولية على رسم خرائط النفوذ والمصالح دون اكتراث لما يسحق تحت الأقدام من شعوب التي تعتبر نفسها قاهرة للكل،، يعلو صوت نادر من قلب الغرب ليذكر العالم بأن الإنسانية لا تُجزأ، وأن دماء الشعوب ليست درجات على سلم الأعراق والمصالح. ذلك هو صوت سيمون بيطون، الكاتبة والمخرجة الفرنسية من أصول مغربية، التي كتبت قبل ساعات تدوينة صادمة بحقيقتها، جريئة في لهجتها، ومزلزلة في دلالاتها.
بيطون، التي عُرفت بمواقفها الأخلاقية الصلبة تجاه القضية الفلسطينية وقضايا العدالة الإنسانية، توجهت بكلماتها إلى الرأي العام الغربي، تسائله وتدين صمته، بل وتفكك بمنطق موجع البنية الأخلاقية الهشة التي يتكئ عليها في تعاطيه مع قضايا الشرق الأوسط، من فلسطين إلى إيران، مرورًا بمآسي سوريا والعراق واليمن.
تسائلت بيطون:
أين هي الإدانة الأوروبية الواحدة لما يجري؟
لماذا يُقال: إيران لا يجب أن تمتلك سلاحًا نوويًا، وتُكرر عبارة: إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، بينما يُغضّ الطرف عن التدمير الممنهج لفلسطين، وعن محو وجود شعب كامل من خريطة الوعي العالمي؟
وتشرح، دون مواربة، كيف أن هذه العبارات تحمل في طيّاتها شرعنة صريحة لإعادة المنطقة إلى العصور البدائية، فقط ليشعر الإسرائيليون بالأمن والأمان، حتى ولو على حساب مئات الملايين من العرب والمسلمين الذين يُحتقرون، وتُرفض حتى لغتهم وثقافتهم وتطلعاتهم.
ثم تضيف بأن ما عبّر عنه دونالد ترامب علنًا، لم يكن سوى صوت لما يهمس به القادة الأوروبيون في خفاء مكاتبهم: أن دماء العرب لا تُعدّ، ولا حضاراتهم، ولا ثقافتهم، ولا تطلعهم إلى الديمقراطية والكرامة.
وتحذّر، في نهاية تدوينتها، من مستقبل لا يُبشّر بخير، حيث ستقود الكراهية والإذلال إلى انفجارات عنيفة، وحينها – تقول بيطون – سيكون التفكير نفسه ممنوعًا.
لقد آن الأوان للضمير العالمي أن يستيقظ، لا بوصفه مجرّد تعبير عاطفي، بل كقوة فاعلة في مواجهة منظومات الهيمنة والاستعلاء العرقي، التي ترى في شعوب كاملة مجرد أرقام بلا قيمة.
إن هذه الشهادة الصادقة، الصادرة من قلب الغرب، يجب ألّا تمرّ مرور الكرام. إنها مرآة عاكسة بالحقيقة الواضحة، لكنها ضرورية، ليرى العرب والمسلمون كيف يُنظر إليهم… وكيف يمكن أن يستعيدوا إنسانيتهم وكراماتهم وحقهم في الوجود.