وجهة نظر

برشيد بين فوضى التدبير ومخاض التغيير: إلى أين يسير الإقليم؟ بقلم عزيز الحنبلي

عزيز الحنبلي-تنوير 

يعيش إقليم برشيد في الآونة الأخيرة على وقع تحولات متسارعة، تتأرجح بين محاولات لإرساء القانون ورد الاعتبار للمجال العمومي من جهة، واستمرار مظاهر الاختلال والفوضى في مجالات متعددة من جهة أخرى. مشهد متناقض يفرض علينا كمهتمين بالشأن المحلي الوقوف عنده بتمعن، ومساءلة أسباب هذا التذبذب بين ما يُعلن عنه من إصلاحات، وما يعيشه المواطنون من معاناة يومية.

اعتبر ان حادث دهس التلميذة “غيثة” أمام مؤسستها التعليمية بجرار فلاحي لم يكن مجرد فاجعة مؤلمة، بل كان أيضا مرآة لما تعانيه جماعاتنا القروية من اختلالات في تدبير الشان المحلي و على الخصوص النقل المدرسي والأمن الطرقي ومراقبة المركبات الفلاحية التي تجوب المناطق الآهلة بالسكان دون حسيب أو رقيب.

أما في مدينة برشيد، فإن المواطن اليوم بات يئن تحت وطأة انقطاعات الماء الشروب، في عز حرارة الصيف، وسط صمت غير مبرر من الجهات المفوض لها تدبير هذا القطاع الحيوي. بيان فعاليات المجتمع المدني كان صرخة مدوية تكشف حجم السخط الشعبي، وتطرح علامات استفهام حول مدى التزام الشركة الجهوية متعددة الخدمات بتعهداتها، ناهيك عن غياب حلول مستدامة لهذه الأزمة المتكررة.

وبينما يتابع المواطنون هذه الأزمات المتكررة، تشهد بعض مناطق الإقليم تحركات غير مسبوقة لمحاربة البناء العشوائي والاحتلال غير المشروع للملك العمومي، في مشهد يوحي بأن الدولة بدأت فعلا في فرض القانون، حتى على من يُفترض أنهم “نافذون”. إزالة خزان الماء والسور الوقائي الذي شيّده منتخب بمنطقة أولاد حريز الغربية، مؤشر على أن زمن الحصانة من المحاسبة قد يكون قد ولّى، على الأقل مؤقتا.

في المقابل، ما تزال بعض مظاهر الفوضى تصرخ في وجه الجميع. شواطئ سيدي رحال، التي من المفترض أن تكون متنفسا مجانيا للمواطنين، تحولت بفعل سلوكيات غير قانونية إلى “ملكيات خاصة” عبر حواجز إسمنتية وحديدية تمنع المواطنين من ولوج البحر، وكأننا في نظام إقطاعي جديد. زيارة عامل الإقليم كانت ضرورية، بل ومتأخرة، من أجل وضع حد لهذه المهزلة العقارية التي تمسّ واحدا من آخر فضاءات الترفيه المجانية للمواطنين.

ولا يمكن الحديث عن هذه الاختلالات دون الإشارة إلى الوضع المزري لعدد من المشاريع التي كان من المفترض أن تعيد الأمل للشباب، مثل المسابح العمومية التي تحولت إلى رموز للفشل وهدر المال العام، ما دفع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى المطالبة بتحقيق نزيه يحدد المسؤوليات ويضع حدا لثقافة “الإفلات من العقاب” في التسيير العمومي.

إننا اليوم أمام مفترق طرق حقيقي: فإما أن تتجذر دينامية الإصلاح القائمة على تفعيل القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة، أو يستمر هذا التدبير الفوضوي الذي يغذي الفساد ويزيد من منسوب الاحتقان الاجتماعي. ما يحدث في برشيد ليس شأنا محليا فحسب، بل مرآة تعكس إشكاليات وطنية عميقة تتعلق بالحكامة، وتدبير الشأن العام، وكرامة المواطن.

فلنكن جميعًا، مواطنين ومؤسسات، على قدر من اليقظة والمسؤولية، لأن برشيد اليوم ليست بحاجة إلى وعود جديدة، بل إلى قرارات جريئة وإرادة سياسية صادقة تُنقذ ما يمكن إنقاذه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى