ثقافة و فن
المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة و مقاربة النوع – السينما بعيون مخرجات أفريقيات

مما لاشك فيه أن المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، قد بات قبلة للتلاقي والانفتاح على مختلف بلدان القارة السمراء. فإذا كان عمر المهرجان قد بلغ الذكرى الفضية خلال هذه الدورة التي امتدت من 21 إلى 28 من يونيو 2025 ، فإن الاهتمام بالسينما الإفريقية استمر لما يقارب نصف قرن ( 48 سنة). استمرارية هذا اللقاء السينمائي الإفريقي ، لم تكن لتتحقق لولا وضوح الرؤيا الحالمة بسينما افريقية ، متجددة في أسئلتها الفنية والإبداعية، ومتنورة في تأملاتها الجمالية. جريئة في ملامسة القضايا التي تقلق بال مجتمعاتها التواقة إلى التحرر و الانعتاق من سلطة القهر و الهيمنة.
المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة ، ليس مجرد احتفال وفرجة سينمائية مجانية، أو مجرد حدث سينمائي عابر، بل مناسبة للتلاقح الثقافي و استكشاف لطاقات خلاقة من مختلف ربوع القارة، طاقات تستطيع أن تحلق بسردها بشكل مختلف ، خارج المألوف. تبدع في السينما و تخلق الفارق لتبلغ العالمية.
اللافت في هذه الدورة الفضية، ومن خلال تتبعي لعروض الأفلام المتبارية ، سواء أفلام مسابقة الأفلام القصيرة ، أو مسابقة الأفلام الطويلة، هو هذا الحضور المتميز للسينما بعيون نسائية. قائمة الأفلام المنتقاة للتباري، حرص فيها منظمو المهرجان على ضمان مساحة للصوت النسائي، ولربما ، في اعتقادي، جودة المنجز السينمائي من طرف مخرجات إفريقيات فرض نفسه على لجنة الانتقاء، فكانت نسبة الثلث، من مجموع الثلاثين فيلما ، بين الأفلام القصيرة والطويلة، هي من نصيب نساء. زمن جهة أخرى، لابد لكل متتبع أن يلاحظ مدى تقاطع أغلب الأفلام عند قضية المرأة و آلامها المضطردة، اتخذت منها السينما الإفريقية ، رجالا ونساء ، مادة للحكي والمعالجة.
-
في صنف الأفلام الطويلة، تم انتقاء خمسة عشرة فيلما ، خمسة أفلام منها هي لمخرجات، بعضهن توج بإحدى الجوائز في المهرجان ، نستعرضها كالتالي
المخرجة المغربية ليلى التريكي ، شاركت بفيلمها ” وشم الريح” ، فيلم يحكي عن قصة صوفيا ، شابة ولدت من زواج مختلط، لما علمت بأن أمها الفرنسية لازالت في الحياة، عكس ما كان يروجه والدها المغربي، ركبت التحدي و المغامرة من أجل البحث عن حلقة مفقودة في هويتها و أضحت منتقوصة. حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم ، جائزة نور الدين الصايل.
المخرجة المغربية خولة أسباب ، صاحبة فيلم ” راضية” ، فيلم المرأة بامتياز، حتى ظان المخرجة صرحت في جلسة مناقشة الفيلم، بأن قصة الفيلم تتضمن بعضا من سيرتها و قلقها المتفاعل في دواخل تاملاتها، وبما أنها نشيطة منخرطة في الحركة النسائية فإن شريط راضية ، جاء ليتناول هذه الأسئلة الحارقة و يعالجها بأسلوب درامي ، يجعل من التشظي في السرد شكلا موازيا لانكسارات راضية التي تصارع ذاتها من أجل الانعتاق والتحرر من اختيارات فرضت عليها ، تحت وطأة العادات والنمطية المفروضة. توج هذا الفيلم بجائزة ” إدريسا وأود راوغو ” للإخراج .
ومن الطوغو جاءتنا المخرجة Angela AquereburuRabatel بفيلمها الطويل الأول بعد بداية مشوارها السينمائي في الفيلم القصير منذ سنة 2010 ، عنوان الفيلم ” MIKOKO” . اتفق الجميع أثناء مناقشة الفيلم ، بأنه عبارة عن مرافعة ضد المجتمع الذكوري ، بعد أن اكتشفت ديلا أن زوجها عمدة البلدة، لا يريد للتاجرة << ديلا >> زوجته أن تنافسه كما باقي النساء ، لذا قرر هدم السوق وبناء سوق عصري محله . في هذا الفيلم تظهر المرأة بذكائها و قدرتها على مواجهة الرجل المهيمن قصد إثبات وجودها في النشاط الاقتصادي، لهذا التفت نساء السوق حول زوجة العمدة ، ثم ترشيحها لمنافسة العمدة رغما عن زوجها . في ثنايا هذا السرد السينمائي ، تناول الفيلم لعبة السلطة والمال و الأخبار الزائفة التي تروجها بعض شبكات التواصل الاجتماعي لفائدة العمدة
أما المخرجة البوركينابية ALIMATA OUEDRAOGO ،فقد كان فيلمها ” كفى Ca suffit” عبارة عن صرخة في وجه الرجل المهووس بالممارس الجنسية دون مراعاة الحالة النفسية للزوجة . مانييلا بطلة الفيلم ، بعد معاناة وصبر على سلوك زوجها أستاذ الأدب ، تقرر أن تضع حدا لما اعتبرته اغتصابا يتكرر ، كل أرغمها زوجها على الجماع ، و أن تصرخ في العلن لفضح الحالة الشادة التي تعترض كل امرأة ، تعاشر زوجا من هذا الصنف
ومن أغندا ، حضرت المخرجة RehmaNaufuka بفيلما الطويل الأول الموسوم ب ” NKINZI”. مخرجة شابة ، لاشك بانها تحلم بأن تجعل من السينما نافذة على مجتمعها ، لذا تناولت في قصة فيلمها ، والذي بالمناسبة ، ساهمت فيه بكتابة السيناريو والإنتاج، تناولت قصة الطفلة كينزي ذات الثماني سنوات. لما أحست بتوتر الأجواء بين والديها ، غادرت البيت وحيدة، وتلقفتها أيادي عصابة الاتجار في الأطفال. لن ينقدها من المتربصين من عصابات الشوارع سوى الطفل جونيور، تحت حمايته ، سوف نكتشف عالم التشرد والضياع. لكن رحلة البحث عن الطفلة كينزي ، سوف تقرب الزوج من زوجته و يقرر التصالح معها ، على من المحاولات الفاشلة من جارة لئيمة تبحث عن رجل بكل الوسائل. سقط الفيلم في نهايتها في خطاب دعائي وحلول مجانية، أبعدت الفيلم عن لغة السينما وجماليتها، هذا رغم توفق الكاستينغ الخاص بالأطفال في حسن الأداء
-
في صنف الأفلام القصيرة، بالطبع سجلنا حضور النساء القوي حيث كان التتويج من نصيب مخرجة ، على الرغم حضور مخرج في الفيلم المتوج بالجائزة الكبرى
خمسة أفلام قصيرة ، لمخرجات واعدات ، كلها أفلام تعالج موضوع المرأة سواء بشكل مباشر أو في بعض التفاصيل المحيطة بالفيلم. هذا وقد خصص منظمو المهرجان جائزتان لهذ الصنف من الأفلام :
-
الجائزة الكبرى ، وقد حصلت عليها المخرجة زهوة راجي بمعية المخرج أيوب اليوسفي. عن فيلم ” الشيخة” فرادة الفيلم ليس في موضوع الشيخة الذي شكل محور قصته، بل في طريقة معالجته والتحكم في مفاصل إخراجه، دون التفريط في المتعة البصرية ، وجودة تأطير اللقطات ، في انسجام تام مع الحالة النفسية لبطلة الفيلم فاتن ( أداء سناء كدار) . الشابة التي ترعرعت في وسط فني مشبع بفن العيطة، لما حازت على شهادة الباكالوريا ، عانت الأمرين ، بين أن تختار الفن و تمتهن حرفة الشيخة، أو الزواج من محبوبها وتكتفي بالحياة العادية
-
جائزة لجنة التحكيم ، كانت من نصيب مخرجة من بينين وهي AurielleJioya. عنوان الفيلم ” Noces d’eau ” وتعني في ما يرادفها في الفرنسية احتفالية مائة عام من الزواج. تدور أحداث الفيلم في إقامة سياحية في البينين، هي في الأصل كانت بيت جد البطل كيمي المزداد في فرنسا ، لما تعرف على صورة البيت قرر قضاء العطلة في هذه الإقامة . أثناء جلسة ليلية جنب الوادي و ركوب قارب لعبور النهر، تمتد يد امرأة مجهولة، عند سحبها إلى سطح القارب، تختفي ، لتظهر وسط البيت. يزداد خوف كيمي ومن معه من الصديفات والأصدقاء ، وفي نفس يحتد فضولهم لمعرفة حقيقة الأمر. تصر المرأة الشبح على أن تسلم كيمي خاتمين بعد أن تروي لهم قصة اغتصابها بحضور الجد، ثم تختفي في النهر. هكذا تحتفل المرأة الشبح بمائة عام من الزواج، زواج بالاغتصاب المؤدي إلى الموت. لهذا ظلت هذه الروح المنكسرة تسكن البيت في انتظار من يروي قصتها كي تستريح.