وجهة نظر

جيل طوطو يشعل النار… ومن يُطفئها يا تُرى؟ بقلم:حميد قاسمي

  ما جرى ليلة البارحة بمدينة سلا لم يكن احتفالًا، ولم يكن مجرد طيش له علاقة بالمراهقة. كان مشهدًا مرعبًا، يعكس عمق الأزمة التي نخوضها كمجتمع. أطفال وشباب طائشون يقطعون الشوارع، يشعلون النيران في العجلات، يستعملون المتفجرات، ويرعبون الساكنة، في مشهد عبثي مكرّر تحت ذريعة ما يسمى ليلة عاشوراء.

لقد أدّى رجال الأمن واجبهم كما ينبغي، تدخلوا بضبط، وبحكمة، وبأقصى ما تسمح به القوانين، وكل من يحاول تحميلهم المسؤولية عن ما جرى، فإما أنه لا يرى الواقع، أو يهرب من أصل الداء. الأمن لم يُقصّر، بل المجتمع هو الذي قصّر في تربية هذا الجيل، وتهيئته لحمل معنى المسؤولية.

المسؤولية الحقيقية تتحملها أطراف ثلاثة لا يمكن إعفاؤها:

أولًا: الأسرة التي استقالت من دورها التربوي، وسلّمت أبناءها لشاشات الهواتف ونجوم التفاهة.
ثانيًا: المسجد الذي أُضعف دوره، وصودر منبره، وقُزّمت رسالته التوعوية، حتى أصبح كثير من الأئمة يخافون من قول كلمة الحق خشية التضييق.
ثالثًا: المدرسة والنخبة الثقافية التي أفرغت المناهج من القيم، وتخلت عن وظيفة البناء، وتركت المجال مفتوحًا أمام من يروّجون لانحراف سلوكي مغلف بـ”حرية التعبير” و”الفن البديل”.

ومن أخطر ما تواجهه بلادنا اليوم، أن بعض الأصوات الإعلامية والوجوه الصحفية، بدل أن تنحاز لضمير المجتمع، راحت تبرّر هذا الانفلات وتدافع عنه، وتهاجم كل من يدعو للعودة إلى القيم والدين والأخلاق.
هؤلاء هم من يتصدّرون للحديث عن طوطو، ويدّعون أنه لا يُقدَّم كنموذج، بل هو مجرّد “صوت جيل جديد”!
جيل جديد؟ جيل يُطبع مع الانحراف، ويُقدّس الشتيمة، ويعتبر التمرّد على الأسرة والدين والتعليم نوعًا من “التحرر”؟

إن من يُهاجم المنتقدين بدعوى الرجعية، ومن يبرّر الانحراف بحجة الفن والانفتاح، هو نفسه شريك في هذا الانهيار.
من يحاول أن يُقنع الناس أن المعجبين بطوطو هم مجرّد شباب طبيعيين لهم ذوقهم المختلف، فهو يستهين بذكاء هذا الشعب، ويتغاضى عن الأثر الكارثي لهذا النموذج في تربية أجيال تتغذى على اللاجدوى.

ليلة عاشوراء في سلا ليست سوى انعكاس لسنوات من التفكك والتفاهة والضياع.
وما يُخيف أكثر من نار العجلات، هو نار بعض الخطابات الإعلامية الذي تبرّر كل هذا، ويضعه في خانة “الاختلاف المشروع”.

الحرية الحقيقية لا تعني الفوضى، ولا تعني الترويج للانحلال، ولا تعني الاستهزاء بالقيم والمقدسات.
الحرية التي نريدها هي تلك التي تُنقذ أبناءنا من الضياع، لا التي تزجّ بهم في متاهات اللاوعي والانهيار الأخلاقي.

كفى تبريرًا، وكفى صمتًا، وكفى تواطؤًا.
هذه ليست حربًا على الفن، بل صرخة في وجه الانحطاط.
ومن يرى غير ذلك، فليضع يده على قلبه، ويسأل نفسه: أي مغرب نُرِيد؟ وأي جيل نُعِدّ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى