وجهة نظر

معركة ضد اليسار سلاحها الخوارزميات وفاضحها الرفيق رزگار عقراوي- أحمد رباص

دخلت صدفة لأتصفح حساب صديق أخجلني وفاؤه لمنشوراتي فأردت ألا ابخل عليه بلايكات رمزية، لكني تفاجأت بأن أربعة منشورات حذفت من صفحته دفعة واحدة، فأدركت على الفور بأن الرقابة على الفيسبوك صارمة وشرسة. هذا ما تحدث عنه رزگار عقراوي، اليساري العربي الكوردي، مدير منصة الحوار المتمدن، في كتابه “اليسار الإلكتروني في مواجهة الرأسمالية الرقمية”، عما يفعله بخوارزمياته من قمع وحذف وتشويه وإخفاء لقيم وأفكار وأحلام اليساريين المناهضين للرأسمالية الأنانية والمتوحشة في عدالة اجتماعية واقتصادية وسلم عالمية مستدامة وصون للبيئة ومواردها من العبث والاستغلال المفرط ضمانا لمستقبل الأجيال اللاحقة وحقها في الحياة.
طرح الأستاذ رزگار عقراوي اربعة أسئلة محاولا تحليلها في مقال له بعنوان:
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: التكنولوجيا في خدمة رأس المال أم أداة للتحرر؟”، انطلاقا من رؤيته اليسارية الناقدة لبنية الذكاء الاصطناعي داخل النظام الرأسمالي المعاصر، كمساهمة تحليلية ضمن مشروع أوسع لتفكيك السيطرة والرقابة الرقمية، وكشف آليات القمع الجديدة التي تتخفى خلف التكنولوجيا، وتعيد إنتاج السيطرة بطرق أكثر نعومة، ولكنها أكثر خطورة وعمقا.
هذه الأسئلة هي كما يلي:
1. هل حقا ما تكتبه على شبكات التواصل يصل إلى جمهورك؟ ولماذا يشعر كثير من الناشطين والناشطات بالعزلة الرقمية رغم مئات بل آلاف الأصدقاء؟ ومن يقرر أصلا أن منشورك “لا يستحق” الانتشار؟الخوارزميات أم ؟
2. هل سقطنا في فخ المراقبة الذاتية الطوعية دون أن نشعر؟ وهل تحول الفضاء الرقمي إلى ساحة قمع طبقي غير مرئي؟
3. من يغتال خطابنا اليساري والتقدمي دون أن يحذف حرفا واحدا؟ وهل تراجع وضعف الحضور اليساري في الفضاء الرقمي مجرد صدفة… أم نتيجة قمع ناعم ومخطط؟
4. هل أصبح الذكاء الاصطناعي أداة لقمع سياسي متدرج، بالغ العمق والخطورة؟ وكيف تستخدم تقنياته اليوم لتشويه الحقيقة، واضعاف الحركات اليسارية والتقدمية، وترسيخ الهيمنة الرأسمالية؟
ومن مواكبتي لهذا المؤلف، خرجت بارتسامات أقول في أحدها:
“تطور الرقمنة وانحيازها لصالح الأقوياء ماديا وسياسيا لم يكونا يجولان بخاطر كارل ماركس الذي انتقد الرأسمالية بحدة في كتابه حول “رأس المال”، إذ لو حصل له علم مسبق بهذا التطور وبهذا الانحياز للتكنولوجيا الحديثة لأضفى الطابع النسبي على توقعه بأن الرأسمالية سوف تحمل في أحشائها سبب موتها. علما بأن الكاتب أشار إلى أن كارل ماركس اعتبر في العديد من كتبه أإن كل قفزة تكنولوجية تحدث داخل النظام الرأسمالي لا تؤدي إلى تحرير الإنسان، بل إلى إعادة إنتاج الهيمنة الطبقية بوسائل أكثر تطورًا. لذلك، فإن التطورات التكنولوجية الحالية ليست محايدة، بل تتشكل ضمن علاقات الإنتاج السائدة.
ولحسن حظنا، نحن الاشتراكيين اليساريين، ها هو الأستاذ رزگار عقراوي قد جاء لملء الفراغ الذي تركه كارل ماركس. قام رفيقنا عقراوي بهذه المهمة الجليلة من خلال تأليف كتاب بين فيه الآليات الرقمية التي يلتجئ إليها الرأسماليون والليبراليون المتوحشون من أجل محاصرة المد الثوري وتعطيل ماكينة التغيير والتشويش على الوعي بالصراع الطبقي لدى العمال وحلفائهم من الطلبة والموظفين والأساتذة وباقي الفئات الشعبية المتطلعة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم والمناهضة للاستغلال والفساد والاستبداد وانفراد أقلية من البشر بجل خيرات العالم على حساب السواد الأعظم من سكان المعمور. لكن يبقى سؤال لينين (ما العمل؟) مطروحا. الرفيق عقراوي يشخص في كتابه الأخير ألاعيب الرأسمالين على الفضاء الرقمي لتأبيد الوضع الراهن والحيلولة دون تغييره في اتجاه الأحسن. وأعتقد جازما أن الخطوة الموالية تتمثل في النضال من أجل تحقيق استقلال رقمي يصعب معه على دهاقنة الرأسمالية التدخل رقميا في تكييف برامجنا السياسية والثقافية التحررية..”
والأجمل في الأمر كله ما قاله أستاذ مكلف بالتدريس كأشرف مهنة في العالم وقد انتبه إلي وأنا بصدد كتابة ونشر فقرات حول نفس الموضوع: “لا بد من وجود مقاومة في شتى الصور التي تؤمن بالمواقف. وبقاء الموقف في ذاته هو انتصار خارج معيار الوحشية الرأسمالية ومنطق الاستهلاك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى