الحنبلي عزيز -تنوير
تعيش أسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء المغربية على أمل أن تتحول التوجيهات الملكية السامية، التي جاءت ضمن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه، إلى إجراءات عملية تضع حدًا لعقود من التهميش والنسيان، وتُعيد الاعتبار لتضحيات قدمها أبناء هذه الأسر دفاعًا عن الوحدة الترابية للمملكة.
الخطاب الملكي الأخير حمل رسائل قوية تتجاوز البُعد الرمزي، ودعا بوضوح إلى عدالة اجتماعية ومجالية شاملة، تُنهي الفوارق وتُعيد المواطن إلى صلب السياسات العمومية. وهو خطاب وجد صدى خاصًا لدى أسر الشهداء والمفقودين والأسرى الذين قدموا أرواحهم أو سنوات من حياتهم دفاعًا عن حوزة الوطن، ولا تزال أسرهم تكابد التهميش وتنتظر الإنصاف.
خلال سنوات الحرب في الصحراء المغربية، قدمت آلاف الأسر أبناءها في معارك الدفاع عن السيادة الوطنية. منهم من استُشهد في ساحات الشرف، ومنهم من فُقدت أخباره أو قضى سنوات طويلة في الأسر. هذه الأسر، التي لم تطالب يوماً بامتيازات، تطالب اليوم بحقوق بسيطة ولكنها مستحقة: اعتراف حقيقي، إدماج اجتماعي، وبرامج تنموية تحفظ كرامتها وتُؤمن مستقبل أبنائها.
الخطاب الملكي لم يكتف بالتنويه، بل دعا إلى تعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للفئات المحتاجة، ومواجهة الفقر والهشاشة، لاسيما في العالم القروي والمناطق المهمشة. دعوة واضحة تُحمل المؤسسات مسؤولية الالتفات إلى الفئات المتضررة، ومنها أسر الشهداء والمفقودين التي لا تزال تعاني من الإقصاء الإداري والاجتماعي رغم ما قدمته للوطن.
وفي خضم دعوته إلى إنهاء المغرب بسرعتين، شدد جلالة الملك على ضرورة التحول في السياسات الترابية والاجتماعية، بالانتقال إلى نموذج مندمج يُثمن خصوصيات الجهات ويُكرس التضامن. وهو ما يعني ضمنيًا ضرورة إنصاف الأسر المنسية، وتقديم الدعم المستدام لها، بما في ذلك تسهيل الولوج إلى السكن، والصحة، والتعليم، والشغل، لا سيما لفائدة الأرامل وأبناء الشهداء والمفقودين.
إن ما تضمنه الخطاب الملكي من توجهات سامية ينبغي ألا يبقى مجرد إعلان نوايا، بل يجب أن يُترجم فورًا إلى قرارات ملموسة، من بينها: فتح ورش وطني لتسوية وضعيات هذه الأسر على المستوى الإداري والاجتماعي، إدماجها ضمن برامج الدعم المباشر والحماية الاجتماعية، منح أبناءها أولوية في الولوج إلى الوظيفة العمومية والتكوين والتعليم العالي، فضلاً عن إشراك الجمعيات التمثيلية لهذه الفئة في إعداد السياسات العمومية.
الوفاء الحقيقي لمن ضحّوا من أجل الوطن لا يكون بالكلمات فقط، بل بالفعل السياسي الجاد والمنصف. فالتجاهل المستمر لمطالب هذه الأسر يتنافى مع روح المشروع المجتمعي الذي يقوده جلالة الملك، ومع القيم الدستورية التي تؤكد على المساواة والعدالة والكرامة. لقد آن الأوان لإنصاف هذه الفئة، والاعتراف الرسمي بما قدمته في سبيل وحدة الوطن واستقراره.
كما قال جلالة الملك: “لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين.” وعليه، فإن الإنصاف مع أسر الشهداء والمفقودين والأسرى هو جزء لا يتجزأ من إنصاف الوطن بأكمله، ومن الوفاء للذاكرة الجماعية التي ما زالت تنتظر العدالة والكرامة.