وجهة نظر

حُرّاس المراحيض… حينما يصبح البؤس وظيفة نبيلة لا يراها أحد بقلم : هشام فرجي

     في زحمة الصيف بين أكادير والصويرة والرباط وطنجة…، وبين دروب المدن الساحلية التي يغمرها السياح، هناك مشهد يتكرر بصمت، لا تلتقطه عدسات الهواتف ولا تنشغل به أعين المارة. إنهم أصحاب المراحيض العامة؛ أناس بسطاء، يمتهنون مهنة يتجنب الجميع حتى الحديث عنها، مع أنها مهنة ترتبط بأبسط حاجات الإنسان وأشدها خصوصية.

هؤلاء الرجال والنساء الذين يقفون عند أبواب المراحيض العامة هم “حرّاس نظافة”، بل هم حُرّاس لكرامة الناس، يمنحونك مساحة للتخفّف من ثقل الجسد دون أن يحكموا عليك أو ينظروا إليك شزراً. ومع ذلك، كم من مرة نمرّ بهم دون أن نُلقي عليهم التحية او كلمة شكر؟ كم من مرة نبخل عليهم بدرهم، وكأنهم غير موجودين؟

إنهم يحملون يوميا عبء قذارات الآخرين، يطهرون المكان من فضلاتنا، وينتظرون على استحياء دراهم بخسة، قد لا تكفي حتى لشراء كأس شاي. هؤلاء الذين يقفون ساعات طويلة في أماكن خانقة، بين الروائح الكريهة، لا خيار لهم سوى الصبر والرضا بما كتب الله.

ففي مجتمع يتغنّى بالنظافة ويحتقر من ينظف خلفه، يصبح هؤلاء الناس “المجهولين” أعمدة صامتة لنظافة الشارع والحضارة. ومع ذلك، لا تكتب عنهم مقالات، ولا ترفع لهم شعارات التقدير، ولا تخصص لهم رواتب تحفظ كرامتهم.

وليس المطلوب أن نمنحهم ثروة، ولا أن نُنصب لهم تماثيل، بل يكفي أن نتعامل معهم بإنسانية. كلمة “شكراً” بصدق، وابتسامة احترام حقيقية، ودرهم كريم يُعطى بطيب نفس… هذه أشياء لا تكلفنا شيئاً لكنها تعني لهم الكثير. إنهم يقفون عند خطوط الدفاع الأولى للنظافة العامة، فهل نقف نحن للحظة واحدة ونعترف بفضلهم؟

فلتتذكر في كل مرة تقف أمام أحدهم، : هو واقف ليحمل عنك قذارتك، فهل تملك شجاعة الوقوف لحظة أمامه، لتقول له: شكراً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى