ثقافة و فن

ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﺍﻟﺤﻜﻲ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺍﻟﺠﺮﻳﺤﺔ: ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﺔ “شدو لارين” لفتحية ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ

ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫﺓ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺓ ﻭﺳﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﻱ/ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ
ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺗﺘﻜﺎﺛﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺮﺩﻳﺔ ﻭﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺻﺪﻯ ﻳﺘﺮﺩ ﻓﻲ ﻓﺮﺍﻍ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺗﺒﺮﺯ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﺍﻟﻘﺼﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ يعيد ﻟﻼﺧﺘﻼﻑ ﺑﻬﺎءﻪ ﻭﻟﻠﺴﺮﺩ ﻧﻐﻤﺘﻪ ﺍﻟﻌﺬﺑﺔ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﺓ. ﻓﺎﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺓ
ﻓﺘﺤﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﻭﻫﻲ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻮﻡ ﺍﻟﺤﻜﻲ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﻻ ﺗﻜﺘﺐ قصصا ﻋﺎﺑﺮﺓ ﺑﻞ ﺗﻨﻘﺶ ﻭﺟﺪﺍنا ﺃﻧﺜﻮيا ﻧﺎبضا
ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﻮﺭﻕ ﻭتحيل ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺛﺮ ﻟﻐﻮﻱ ﺷﻔﻴﻒ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﻭﺟﻊ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻮﺭية. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻘﻄﻮﻋﺎﺕ ﻭﺟﺪﺍﻧﻴﺔ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺗﻔﻴﺾ ﺑﺘﺄﻣﻼﺕ ﺃﻧﺜﻰ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﻭترمم ﻫﺸﺎﺷﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎﺕ. ﻓﻬﻨﺎ ﻻ ﺗﻨﺤﺎﺯ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ
ﺗﻨﺤﺎﺯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻖ، ﻭﻻ ﺗﺮﻛﺾ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺤﺒﻜﺔ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ تنصت ﻟﻨﺒﺾ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻓﺘﻨﺸﺄ ﻗﺼﺺ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﻣﻦ ﺻﻤﺖ ﻣﻤﻠﻮﺀ ﻭﻣﻦ ﻓﺮﺍﻍ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ؛ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻜﺘﺐ ﻟﺘﻀﻲﺀ ﺍﻟﻤﺴﺎﺣﺎﺕ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﺍﺣﻨﺎ ﻭﺗﺘﺮﻛﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻭﺟﻬﺎ ﻟﻮﺟﻪ ﻣﻊ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ.
ﻓﻲ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﻻ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫﺓ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺓ ﻓﺘﺤﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﻋﻨﺪ ﻋﺘﺒﺔ
ﺍﻟﺤﻜﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﺑﻞ ﺗﻨﻘﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺁﺧﺮ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺘﺰﺝ ﺍﻟﺴﺮﺩ ﺑﺎﻟﺸﺠﻦ، ﻭﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺑﻨﺒﺾ ﺍﻟﺬﺍﺕ، ﻭﺗﻐﺪﻭ ﺍﻟﻘﺼﺔ
ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﻌﻜﺲ تشظي ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻓﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻌﻞ ﺳﺮﺩ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺗﻄﺮﻳﺐ ﻟﻐﻮﻱ ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻭﺟﻮﺩﻱ ﻭﺍﺣﺘﻔﺎﺀ ﺑﻜﻴﻨﻮﻧﺔ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺭﻣﺰﺍ ﻭﻛﻴﺎﻧﺎ ﻭﺟﺮﺣﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ.
ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻧﻔﺴﻪ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﻟﻴﺲ ﺑﺮيئا ﻣﻦ دلالته ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻬﻮ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺇﺫ ﻳﺤﻤﻞ “ﺍﻟﺸﺪﻭ” ﺇﻳﺤﺎﺀ ﺻﻮتيا محملا ﺑﺎﻟﻌﺎﻃﻔﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ “ﻻﺭﻳﻦ” – ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ﺍﻟﺸﻔﻴﻒ – ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺭﻣﺰﺍ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻼﺋﻲ ﻳﺤﻤﻠﻦ ﺻﻮﺗﻬﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺻﻤﺖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﻜﺘﺐ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻏﺎﺋﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ ﻭﺗﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻼﻋﺘﺮﺍﻑ ﻭﺇﻟﻰ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ. ﻧﻘﺮﺃ ﻓﻲ ﻗﺼﻬﺎ ﺍﻷﻧﺜﻰ المهمشة ﻭﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﻨﻜﻔﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺰيفها ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻭﺍﻷﻣﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺔ ﺑﺎﻟﺸﻮﻕ ﻭﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﻤﺼﻠﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮﺍﺏ
ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ. ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻓﺦ ﺍﻟﻨﻮﺍﺡ ﺑﻞ ﺗﺼﻮﻍ ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻟﻘﻮﺓ الخفية ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻻﻧﻜﺴﺎﺭ ﻭﺗﻌﻴﺪ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﺑﺒﻼﻏﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.
ﻟﺬﺍ ﺗﻤﺘﺎﺯ ﻗﺼﺺ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﺑﺒﻨﻴﺔ ﺳﺮﺩﻳﺔ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻭﻣﻜﺜﻔﺔ ﺗﺘﻘﻦ ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﺇﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ
ﻭﺗﻮﻇﻒ ﺗﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﺮﺩ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﺤﺮﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﺍﻟﺰﻣﻨﻲ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻭﺏ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﻭﺍﻟﺘﻜﺜﻴﻒ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﻭﺻﻮلا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺬﻑ ﺍﻟﺪﻻﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺷﺮﺍﻛﺔ ﻓﻲ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ. ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﺏ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﻘﻄﻌﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻮﺯﻉ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻣﻀﺎﺕ ﺷﻌﻮﺭﻳﺔ ﻭﺃﺑﻌﺎﺩﺍ ﺭﻣﺰﻳﺔ ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ لتشكل ﻟﺤﻈﺔ ﺩﺭﺍﻣﻴﺔ ﻣﺆﺛﺮﺓ.
ﻭﺗﺒﺪﻭ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﺃﺩﺍﺓ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﻭﺇﺷﺮﺍﻕ. ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻐﺔ ﺗﻘﺮﻳﺮﻳﺔ ﺑﻞ ﻟﻐﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ
ﺍﻟﻌﻤﻖ. ﻓﻬﻲ ﺗﻨﺤﺖ ﺟﻤﻠﻬﺎ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺼﻬﺮ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺗﺘﺠﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ. ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻳﻨﺒﺾ ﺑﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺘﺄﻟﻤﺔ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﻋﻦ ﺧﻼﺹ ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻑ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻴﺔ ﺗﺘﻌﺪﺩ ﺛﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ ﻋﻨﺪ ﻣﺤﺎﻭﺭ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ:
_ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺷﺎﻫﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻊ ﻭﻓﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ.
_ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺧﺰﺍﻧﺔ ﺍﻷﻟﻢ ﻭﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻷﻣﻞ.
_ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻛﻘﻴﺪ ﺩﺍﺧﻠﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﺇﻃﺎﺭﺍ ﺧﺎﺭجيا.
_ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺨﻼﺹ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻼﻓﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﺗﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﻤﻨﺢ ﻟﻜﻞ ﻗﺼﺔ ﺻﻮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﻤﺎﺳﻜﻬﺎ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻛﺄﻥ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺗﺘﺂﺯﺭ ﻟﺘﺸﻜﻞ ﺳﻴﻤﻔﻮﻧﻴﺔ ﺳﺮﺩﻳﺔ ﺗﺘﻨﻮﻉ ﻣﻘﺎﻣﺎﺗﻬﺎ ﻭﺗﺒﻘﻰ ﺍﻟﻨﻐﻤﺔ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻓﺘﺔ – ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ
طياﺗﻬﺎ ﺗﻤﺮﺩﺍ دفينا – ﻫﻲ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻗﺮﺍﺀﺓ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻟﻠﻜﺎﺗﺒﺔ. ﻓﺎﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺓ ﻓﺘﺤﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﺍﻟﺘﻲ
ﺟﻤﻌﺖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻲ ﻭﺍﻟﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻹﺑﺪﺍﻋﻴﺔ ﺗﻜﺘﺐ ﺑﺈﺩﺭﺍﻙ ﻋﻤﻴﻖ ﻷﺩﻭﺍﺗﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻓﻲ ﺍﺗﺰﺍﻥ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ
ﻭﺛﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﻌﺠﻢ ﻭﺍﻧﻀﺒﺎﻁ ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺺ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻲ ﻳﻤﻨﺢ ﻗﺼﻬﺎ ﺑﻌﺪﺍ ﺗﺄمليا ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﻀﺎﺀ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺷﺎﻣل ﻭﺳﺎﻡ: ﻟﻘﺪ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻓﻲ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﻣﻦ ﻧﺴﺞ ﻗﺼﺺ ﻻ ترﻭﻯ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ترتل ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﻣﻦ ﻧﺸﻴﺪ ﺩﺍﺧﻠﻲ ﺗﻜﺘﺒﻪ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺑﺤﺒﺮ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺑﺼﻮﺕ ﻣﻐﻤﻮﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻕ معا. ﺍﺫ ﻻ ﺗﻌﺘﻤﺪ
ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻴﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ تفكك ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ ﻟﺘﻌﻴﺪ ﺑﻨﺎﺀﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺗﺄﻣﻠﻲ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺴﺮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﻠﻮﻋﻲ ﻭﺗﻐﺪﻭ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺴﺮﺩﻳﺔ ﻣﺤﻤﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺤﻨﺔ ﺷﻌﻮﺭﻳﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ تجبر ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺻﻐﺎﺀ بنفس
ﻭﺟﺪﺍﻧﻲ. ﻓﺎﻟﻘﺼﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﻻ ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﺪﻓﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻜﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﻫﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻊ ﺑﺼﻤﺖ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﻭﻋﻨﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﻨﺎﻋﻢ ﻭﺑﺼﻴﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ تبصر ما ﻻ يقاﻝ.
ﺇﻥ ﻣﺎ يلفت ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻓﻲ ﺗﻤﺜﻼﺕ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺟﺴﺪﺍ متعبا ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺡ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺗﻌﺒﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺕ ﺗﺴﺎﺋﻞ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺐ. ﺗﻘﻮﻝ ﺍﻟﺴﺎﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻘﺼﺺ: “ﺃﻧﺎ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻓﺘﻘﺪﻩ، ﻛﻨﺖ ﺃﻓﺘﻘﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺒﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ظنت ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﻕ ﺩﻭﺍﺀ.” ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﺷﻔﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻭﻳﻐﺪﻭ ﺍﻟﺤﺐ ﻣﺠﺎلا ﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻻ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﻼﻗﺔ. ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﻫﻨﺎ ﻻ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻦ
ﺍﻟﺤﺐ ﺑﻞ ﻋﻦ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺤﺐ، ﻋﻦ ﻫﺸﺎﺷﺘﻪ ﺣﻴﻦ يبنى ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﻭﻋﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻜﻴﻚ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﺑﻮﻋﻲ ﻧﻘﺪﻱ.
ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺺ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ، ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺑﺔ؛ ﺇﺫ ﺗﺘﻘﻦ ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ، ﻻ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺼﺮﺍﺥ ﺑﻞ ﻋﺒﺮ ﺍﻹﻳﻤﺎﺀ، ﻓﺘﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﺤﺬﻑ ﺃﺣﻴﺎنا ﻭﺍﻟﺘﻠﻤﻴﺢ ﺃﺣﻴﺎﻥﺍ ﺃﺧﺮﻯ، ﻓﻴﺘﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﺼﻮﺕ
ﺍﻟﺴﺮﺩﻱ ﻣﻊ ﺇﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﺸﻌﺮ، ﻭﻳﻐﺪﻭ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻟﻠﻨﺺ، ﺣﺘﻰ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺼﺺ تروى ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻨﻬﻴﺪﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﺗﻨﻬﻴﺪﺓ ﺃﻧﺜﻰ ﺟﺮﺑﺖ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﻓﻬﻤﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﺩﺍئما ﻣﻼﺫﺍ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺭﻏﻢ ﺫﻟﻚ ﺗﻜﺘﺐ ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﻫﻮ ﺷﻜﻠﻬﺎ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﻤﻘﺎﻭﻣﺔ.
ﺍﻣﺎ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﻲ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻘﻂ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻟﻸﺣﺪﺍﺙ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩ ﻟﻠﺮﻭﺡ. ﺍﻟﺒﻴﺖ، ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ، ﺍﻟﻤﻘﻬﻰ، ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ، ﻛﻠﻬﺎ ﺭﻣﻮﺯ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ﺍﻟﻤﻌﺰﻭﻝ ﻭﺍﻟﺬﻱ يعيد ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻋﺰﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺷﺎﻋﺮﻱ. ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺃيضا ﻻ
يقاﺱ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺎﺕ، ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺤﻨﻴﻦ، ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎﺭ، ﺑﺘﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺨﻴﺒﺔ. ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺗﺴﺤﺐ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻭﻳﻤﻪ ﻭﺗﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻟﺘﺠﻌﻠﻪ ﻳﻨﻀﺞ ﺑﺄﻟﻤﻬﺎ. ﻧﻘﺮﺃ ﻣﺜﻼ: “ﺃﻳﺎﻣﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺿﻮﺀﺍ ﺧﺎفتا منسيا ﺧﻠﻒ ﺳﺘﺎﺭﺓ ﻻ ﺃﺣﺪ يفتش
ﻓﻴﻪ ﻋﻨﻲ، ﻭﻻ ﺃﻧﺎ ﺃﺟﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺤﻬﺎ.” ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻜﺜﻒ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻌﺰﻟﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺇﻟﻰ
ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ.
ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻫﻲ ﺑﻄﻠﺘﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻰ. ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻐﺔ ﻣﺨﻠﺼﺔ ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ، ﻻ ﺗﺰﻳﻦ ﺍﻟﻮﺟﻊ، ﺑﻞ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﺃﺟﻤﻞ، ﻭﻻ تجمل ﺍﻟﺸﻘﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﻤﻨﺤﻪ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻓﻨﻴﺔ، ﻓﺘﻨﺴﺎﺏ ﺍﻟﺠﻤﻞ محملة ﺑﺎﻹﻳﻘﺎﻉ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺰﻭﻳﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻲ. ﺗﺘﻘﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻘﻦ ﺗﻮﺭﻳﺘﻬﺎ ﻓﺘﻤﻨﺢ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻭﺯﻧﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻭﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻟﻐﺔ
ﻣﻮﺍﺯﻳﺔ. ﻫﻲ ﻻ ﺗﻜﺘﺐ ﻟﺘﺴﺮﺩ ﺑﻞ ﻟﺘﻮﺷﻮﺵ؛ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻬﻤﺲ ﻟﻠﻘﺎﺭﺉ ﺑﺄﺳﺮﺍﺭ ﻻ تقاﻝ ﻓﻲ ﻭﺿﺢ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻬﻤﺴﺎﺕ
ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﻧﺼﻮﺻﻬﺎ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺇﺫ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺃﻧﻪ ﺷﺮﻳﻚ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺼﺎﺕ ﻻ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﺘﻠﻖ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻻ ﺗﻔﺮﺽ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻟﻨﺼﻮﺻﻬﺎ ﺑﻞ ﺗﺘﺮﻛﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﻋﺪﺓ؛ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻻ تغلق ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ. ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ،
ﺃﻭ ﺑﺼﻤﺖ ﻳﺸﻲ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ، ﺃﻭ ﺑﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻟﺤﻈﺔ ﺃﻭﻟﻰ تقرﺃ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ
ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ. ﻓﻜﻞ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﻭﻛﻞ ﺗﺄﻣﻞ ﻳﻀﻴﻒ ﻣﺴﺎﺭﺍ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻟﻠﻘﺺ.
ﺍﺫﻥ “ﺷﺪﻭ ﻻﺭﻳﻦ” ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻘﻂ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﺑﻞ تتحدث ﻋﻦ ﺇﻧﺴﺎﻥ يعيد ﺗﺮﻣﻴﻢ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺭﻛﺎﻡ ﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺍﺕ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻠﻐﺔ. ﻭﻫﻲ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻓﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﺣﻴﻦ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﻣﻦ ﻓﻄﻨﺔ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، على ﺃﻥ تحيل ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﺛﺮ، ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺃﺩﺑﻲ.
ﻫﻨﺎ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺓ ﻓﺘﺤﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭﺟﻲ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺻﻮتا ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻮﻡ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺃﻥ يصغى ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻻ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺮﻭﻱ، ﺑﻞ ﻷﻧﻬﺎ تنصت ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﺐ، ﻭﻷﻧﻬﺎ تشبهنا ﺣﻴﻦ ﻧﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺻﺪﻕ ﻣﻊ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى