بقلم الأستاذ: حسن تزوضى
صدر مؤخراً دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلكي الإجازة والماستر، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7430 بتاريخ 14 غشت 2025، والذي يقضي باعتماد الانتقاء بالملفات حصراً، دون مباراة، للولوج إلى سلك الماستر ابتداءً من الموسم الجامعي 2025/2026. وبقدر ما يبدو هذا القرار محاولة لتنظيم العملية وتوحيد معايير القبول، فإنه يطرح إشكالات جوهرية تمس العدالة التربوية وتكافؤ الفرص بين الطلبة.
أول هذه الإشكالات هو أن النقطة لم تعد معياراً دقيقاً للكفاءة. الواقع الجامعي المغربي يوضح أن نظام التقويم الحالي يفتح المجال أمام تضخيم المعدلات، بحيث لم تعد العلامة تعكس المستوى الفعلي للطالب. فالتساهل في التنقيط، انتشار الغش، وضغوط بعض المؤسسات لرفع نسب النجاح، جعلت المعدلات أحياناً أرقاماً إدارية لا علاقة لها بالقدرات الحقيقية أو بالجدية العلمية للطلبة. ونتيجة لذلك، فإن اعتماد النقطة وحدها في الانتقاء يكرس الظلم ويهمل الكفاءات الحقيقية.
ثانياً، إن الاقتصار على معيار النقطة يرفع عتبة الانتقاء بشكل تلقائي، ما يؤدي إلى حرمان عدد كبير من المجازين من متابعة دراستهم العليا، خصوصاً أولئك القادمين من جامعات أو شعب ذات نظام تقويم صارم، أو من الطلبة الذين واجهوا ظروفاً اجتماعية صعبة أثرت على تحصيلهم الأكاديمي. هذا القرار يتحول إذن إلى أداة لإعادة إنتاج الفوارق بدل أن يكون مدخلاً لتحقيق تكافؤ الفرص.
ثالثاً، إن التركيز على المعدل يغفل قدرات الطلبة على البحث والتحليل والتفكير النقدي، فضلاً عن مهاراتهم في التعبير والمناقشة، وهي مؤشرات أساسية للكفاءة في الدراسات العليا، ولا يمكن قياسها بالأرقام وحدها. المباريات الكتابية والشفوية توفر للطلبة مساحة لإظهار هذه القدرات، بما يعكس استحقاقهم الحقيقي.
الحل الواقعي يكمن في فتح المباريات لجميع الراغبين في متابعة دراستهم العليا، مع تطوير أدوات وطرق التقويم بما يعكس مستوى الطالب الحقيقي. كما يستدعي الأمر وضع آليات صارمة لردع الغش وممارسات الفساد والمحسوبية والرشوة، لضمان أن يكون الولوج إلى الماستر قائماً على الاستحقاق والكفاءة وليس على تضخيم المعدلات أو المحسوبيات.
إن الرهان الحقيقي لا يكمن في رفع معدلات الانتقاء أو حصر الفرص، بل في توسيع قاعدة التعليم العالي وضمان نزاهته. فالجامعة ليست مجرد مؤسسة لإنتاج الأرقام، بل فضاء للمعرفة وتطوير القدرات، ولذا يجب أن تعكس سياساتها مبدأ العدالة والاستحقاق، لا معياراً رياضياً بعيداً عن الكفاءة الحقيقية.