اخبار جهوية

أناسي بين صدمة “شرع اليد” وواجب دولة القانون: جريمة تُحرّك الضمير الجماعي

عزيز الحنبلي-متابعة 

الدار البيضاء – مساء الخميس 21 غشت 2025، اهتزّ حيّ أناسي على واقعة مأساوية بعد تعرّض شاب لاعتداء جماعي أودى بحياته، إثر دخوله نوبة هيجان قام خلالها بتكسير زجاج عدد من السيارات المركونة. ورغم أنّ فعل التخريب يُعاقَب عليه قانوناً، إلا أنّ ما تلاه من عنفٍ جماعيّ انتهى بوفاة الضحية يُجسّد، في جوهره، خروجاً خطيراً عن دولة القانون ولجوءاً مرفوضاً إلى ما يُعرف بـ“شرع اليد”. هذا ما أكدته تقارير إعلامية متطابقة مساء الخميس والجمعة، مع التأكيد على أن الأبحاث القضائية متواصلة لتحديد المسؤوليات.

وتفيد المعطيات المنشورة أنّ الضحية كان يُعاني اضطراباتٍ نفسية، وأنّ الاعتداء وقع بعد تكسير زجاج بعض السيارات بالحي، لينتهي الأمر بإصاباتٍ خطيرة لم يمهلْه معها القدر طويلاً. وقد أعادت الواقعة إلى الواجهة النقاشَ العمومي حول خطورة استسهال “أخذ الحق باليد” بدل إبلاغ السلطات وترك العدالة تُباشر اختصاصها وفق المساطر، لاسيّما حين يتعلق الأمر بأشخاصٍ في وضعية هشاشة نفسية أو عقلية. 

إنّ جوهر دولة القانون يقوم على احتكار العقاب من قِبَل السلطة القضائية بعد تحقيقٍ نزيه وضماناتٍ للمحاكمة العادلة؛ أمّا تحويلُ الغضب إلى عقوبةٍ جماعية في الشارع فهو عدوانٌ مضاعف على المجتمع قبل الأفراد، ويهدّد السلم الأهلي. وقد نبّه أكاديميون ومعلّقون إلى أنّ ما جرى “كارثة بكل المقاييس” وتمظهرٌ خطير لـ“شرع اليد”، داعين إلى ردعٍ صارم لكلّ متورّط وتحصينٍ ثقافيّ وأمنيّ يحول دون تكرار المأساة.

القضية لا تُختزل في إدانة الجناة فحسب، بل تدفع أيضاً إلى مراجعة منظومة الوقاية والحماية: تعزيز تدخّل الشرطة الاستباقي عند التبليغ عن حالات الهيجان، تسريع الاستجابة الإسعافية، إرساء مسارات واضحة للتعامل مع المرضى النفسيين داخل الأحياء، وتوسيع خدمات الطبّ النفسي المجتمعي ودور الرعاية، حتى لا يجد الجيران أنفسهم بين خوفٍ مشروع وقراراتٍ متهوّرة. كما أنّ التعويض عن الأضرار المادية—مثل زجاج السيارات—مكانُه القانون وشركات التأمين، لا حفلاتُ القصاص في الشارع. 

إنّ ما حدث في أناسي جرسُ إنذارٍ للجميع: للمؤسّسات كي تُثبت فاعليتها وحضورها الرادع، وللمجتمع كي يُقاوم ثقافة الانتقام ويستعيد ثقافة التبليغ والثقة في العدالة، وللإعلام كي يُحاذر التأجيج ويُعلي منسوب التوعية. فالمغاربة—على اختلاف مواقعهم—لا يحتاجون إلى “أبطالٍ” يوزّعون العقاب على قارعة الطريق، بل إلى مؤسساتٍ تعمل وقوانين تُطبّق، وإلى ضميرٍ جماعيّ يرفض قتل إنسانٍ مهما كانت خطيئته، لأنّ الخط الفاصل بين النظام والفوضى هو احترام العدالة لا استبدالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى