عزيز الحنبلي
يلخص الكاتب المغربي طاهر بن جلون في عموده بجريدة le 360 الالكترونية الفرنسية بتاريخ 04/08/2025 تحت عنوان بالفرنسية Très Cher Maroc!
أزمة الغلاء التي تحوّلت إلى حلقة مفرغة: مقاهٍ ومطاعم بأسعار “أوروبية” بلا جودة موازية، أجور هزيلة للعاملين، وقفزات حادّة في أسعار سلع شعبية كالتين والسردين، ما أضرّ بصورة المغرب ونفّر جزءاً من مغاربة العالم والسياح نحو وجهات أرخص. ويرى أن الذهنية الجشعة التي تستهين بقدرة المواطن الشرائية خطأٌ اقتصادي وأخلاقي، داعياً الدولة إلى تدخل فعّال يشمل رقابة الأسعار، تسهيلات على الرحلات، خفض هوامش الربح—خاصة في المحروقات—وكبح الوسطاء والاحتكار، مع رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين التكوين والجودة في الخدمات. ويحذّر من تعميق “مغرب بسرعتين” عبر خصخصة فعلية للتعليم والصحة تدفع الناس قسراً إلى الخاص رغم تحسّن نسبي في العمومي، مؤكداً أن الحرية الاقتصادية لا تعني التخلي عن حماية الفئات الهشّة. ويخلص إلى أن شعار “لا لمغرب بسرعتين” يجب أن يتحوّل إلى سياسة مواطِنة عاجلة تُنعش الثقة وتخفّف التضخّم، لأن التعويل على “السوق تصحّح نفسها” ليس إصلاحاً بل هروباً إلى الأمام يولّد إحباطاً وعنفاً متزايدين.
C’est un sujet que j’ai déjà traité. Mais le récent discours de Sa Majesté m’a incité à y revenir.
“إنه موضوعٌ تناولتُه من قبل، غير أنّ الخطاب الأخير لجلالة الملك أعاد طرحه بإلحاح: لا لمغربٍ بسرعتين. فكل يومٍ تقريباً نسمع حكاياتٍ عن «قهوة عصرية» تُكلِّف خرجةً عائلية ما لا يُحتمل، ومطاعم لا ترى حرجاً في اعتماد أسعار «أوروبية» بلا خدمةٍ تضاهيها. منطق «اربح أقصى ما يمكن» صار حلقةً مفرغة تُغري الجميع بالانخراط فيها، باستثناء الفاعلين الأضعف مثل سائقي الطاكسيات الصغيرة الذين لا يستطيعون حتى رفع التعريفة ببضعة دراهم.
على الواجهة السياحية، تتضارب الأرقام حول عودة مغاربة العالم لقضاء العطلة، لكن المؤكد أنّ شريحةً مهمة آثرت إسبانيا أو تركيا. السبب بسيط وموجع: المغرب صار باهظ الكلفة. تذاكر الطيران والعبور عبر الجزيرة الخضراء–طنجة المتوسطي، وفنادق بخدمات متواضعة، ومطاعم بفواتير تنافس مطاعم باريس من دون جودةٍ موازية. وفي العمق، هناك مفارقة فاقعة: أجور العاملين في المقاهي والمطاعم منخفضة لا تواكب موجة الغلاء، فيما ثمن تينٍ كان يُباع بعشرة دراهم يقفز إلى خمسين، وكيلو السردين الشعبي يصعد من عشرة إلى خمسةٍ وعشرين بل ثلاثين درهماً.
C’est la ruée vers l’or! La course sans pitié.
هذه الذهنية، القائمة على جشعٍ مستجد وازدراءٍ لجيب المواطن محدود القدرة الشرائية، ليست مجرد خللٍ أخلاقي؛ إنها خطأ اقتصادي يطلق النار على صورة بلدٍ بنى سمعته على كرم الضيافة وجودة التجربة. شبكات التواصل تمتلئ شهاداتٍ لسياحٍ يقولون ببساطة: لن نعود.
هنا يبرز واجب الدولة والحكامة: رقابةٌ فعّالة على الأسعار كما حدث مع بعض الأدوية، صيغٌ خاصة لأسعار الرحلات نحو المغرب، ومراجعة سياسة تسعير لا تراعي واقع الدخل لدى الأغلبية. الحديث عن هوامش الربح ليس طعناً في حرية السوق؛ بل دعوةٌ إلى سوقٍ تنافسية عادلة تكبح الاحتكار وتُقلّص حلقات الوساطة التي تنفخ الفواتير من غير قيمةٍ مضافة. خذوا مثال المحروقات: إذا كان سعر لتر البنزين في حدود 13,09 درهماً، فخفض هامش الربح لن يُفلس كبار المنتجين، لكنه قد يخفّف كلفة النقل ويهدّئ سلسلة أسعارٍ تمتد من الخضرة إلى الفاتورة النهائية على طاولة المطعم.
الحرية الاقتصادية لا تعني تخلّي الدولة عن حماية الضعفاء، ولا إعفاء الفاعلين من مسؤوليتهم الاجتماعية. من يدافع عن الأسرة التي تعيش الهشاشة؟ من يقيَ الشبابَ مرارة الإحباط التي تدفع بعضهم إلى جاذبية «الطريق السهل»؟ إن تعميم منطق «ادفع أكثر لتحصل على خدمة لائقة» في التعليم والصحة يزكّي مجتمَعَيْن داخل بلدٍ واحد: مدرسةٌ خاصة تُصبح منجماً مالياً برسومٍ بين 800 و5000 درهم للتلميذ، ومصحاتٌ تترسمل كما لو كانت بورصة؛ فيما سمعة المدرسة والمستشفى العموميين—رغم تحسّناتٍ ملموسة—تدفع الناس قسراً إلى الخاص.
لسنا أمام مسألة أسعارٍ فقط؛ نحن أمام سؤالٍ قيمي: أيُّ اقتصاد نريد؟ اقتصادٌ يَسحق الصغار ويُغني الكبار أكثر، أم سوقٌ منضبطة بقواعد المنافسة والشفافية والكرامة؟ إنّ تحويل شعار «لا لمغرب بسرعتين» إلى سياسةٍ مواطِنة يبدأ بخمس بديهيات عملية: ضبطٌ صارم لهوامش الربح في القطاعات الحسّاسة زمنياً ومجالياً، تسقيفٌ مؤقّت للأسعار خلال الذروات السياحية، ربطُ الترخيص والجودة في السياحة والمطاعم بعقود خدماتٍ ملزمة وشفافة، رفعُ الحد الأدنى للأجور في الخدمات مع تكوينٍ مهني يحسّن الجودة، وتفعيلٌ لا يَرحمُ للمنافسة والزجر ضدّ الاحتكار والغشّ.
قد يبدو هذا «بسيطاً» على الورق، لكنه يتطلّب شجاعة قرارٍ وتحمّل كلفةٍ سياسية قصيرة المدى مقابل مكاسبَ طويلة الأمد: تهدئة التضخّم، استعادة ثقة المواطن والمستثمر والسائح، وتثبيت طبقةٍ وسطى تُحرّك الطلب الداخلي بدل أن تنهَكَه. أمّا ترك الأمور لبداهة «السوق تصحّح نفسها» فليس إصلاحاً؛ إنه إدارةٌ للأزمة بمنطق الهروب إلى الأمام.
«غريب؟ نعم، غريب!» أن نقبل ليبراليةً بلا مواطنة، وفردانيةً في مجتمعٍ لا يعترف بحقّ الفرد في الضمير كما ينبغي. الأغرب أن نندهش بعد ذلك من عنفٍ يتطبع وإحباطٍ يتمدد. بين جشعٍ قصير النظر وسوقٍ عادلةٍ تراعي الإنسان، يجب أن نختار. الآن—not غداً—لأن الواقع، خلافاً للفيلم، مرٌّ حين ندعه يتدحرج بلا فرامل.”