اخبار جهوية

من أكادير إلى بنجرير، وجع موحّد يفضح هشاشة منظومة الصحة

حميد قاسمي-تنوير

مدينة أكادير تغلي؛ هذا هو المشهد الذي طبع يوم الأحد الرابع عشر من شتنبر 2025 ، حين احتشد الآلاف في وقفة احتجاجية كبرى عقب الفاجعة المؤلمة المتمثلة في وفاة ثماني نساء حوامل داخل مستشفى الحسن الثاني أصبح يُعرف بمستشفى الموت.
حادثة لم تكن إلا القطرة التي أفاضت كأس الغضب الشعبي، لا في سوس وحدها، بل في ربوع المملكة كافة، لتكشف حجم التدهور الذي يعيشه قطاع الصحة العمومية . يا من يبيع الوهم في الإعلام * * * دموع الأمهات أقوى من الكلام يا من شغلك المونديال والأعلام * * * الأجساد تُهدر والحقوق تُسلب في الظلام.
الوقفة التي شهدتها ساحة أكادير لم تكن محلية فحسب؛ فقد شارك فيها نشطاء وحقوقيون قدموا من مدن عديدة مثل سطات، الدار البيضاء، الراشيدية، مراكش، طاطا وتارودانت . حضور يؤكد أن أزمة الصحة ليست حكراً على جهة بعينها، بل هي جرح نازف في الجسد المغربي بأسره؛ جرح الإهمال والفساد والاعتداء على كرامة المرضى في مستشفيات عمومية تموَّل من ضرائب الشعب لكنها لا تحفظ له حقاً ولا تصون له حرمة . غير أن أخطر ما رافق هذه الوقفة هو التدخل الأمني العنيف في مواجهة المحتجين . وهو تدخل يتناقض مع ما نص عليه دستور 2011 في فصله التاسع والعشرين، الذي يضمن للمواطنين حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي . ما وقع في أكادير يمثل انتكاسة حقوقية خطيرة، ويطرح سؤالاً حارقاً : هل الدستور نصوص للاستهلاك الخارجي أم مرجعية ملزمة تُطبَّق على أرض الواقع؟ نصوص على الورق تُرصّع بالزينة * * * وواقع في الميدان يطعن بالسكّين فأين الكرامة وأين العدالة الإجتماعية؟ * * * إذا كانت الحقوق تُدفن في التراب الحزين.
الشعارات التي ارتفعت في الوقفة جاءت قوية وصريحة : الصحة أولاً لا نريد كأس العالم . صيحة تختزل المفارقة بين المليارات التي تُصرف على استقطاب البطولات العالمية، وبين دموع المواطنين على أبواب المستشفيات، بين ملاعب تُشيَّد بأموال طائلة على عجل وأسرة تُترك فارغة ينهشها الإهمال . فهل يُعقل أن تُصرف الطاقات والأموال على الترفيه بينما تُهدر الأرواح في صمت مريب؟ وتزداد الفاجعة وضوحاً حين نروي قصة شخصية من قلب المعاناة . ففي سنة 2022 ، رافقت زوجتي إلى المستشفى الإقليمي بالرحامنة في بنجرير لتضع مولودتنا . هناك، تعرضت لتعنيف لفظي وجسدي من طرف المولدات، وأُجريت لها عملية الخياطة دون تخدير، في مشهد يفتقد لأبسط معايير الإنسانية . الطامة الكبرى أنهن تركنها عارية في غرفة مفتوحة، فيما تُركت رضيعتنا تصرخ عارية من شدة البرد . أما عن مستوى النظافة فحدث ولا حرج؛ الحمامات مغلقة من طرف المنظفات، والروائح الكريهة تعم المكان والقطط تصول وجول وتقول:نحن أسياد الزمن.
أي عدل هذا، وأي كرامة تُنتهك بهذه الفظاعة؟ آهٍ من مستشفى يُدعى للشفاء * * * فإذا به مقبرة للأحياء أمّ تصرخ والرضيع بكاء * * * والبرد ينهش والرحمة هباء.
اليوم، يفرض السؤال نفسه : كيف يمكن لحكومة يقودها رجل الأعمال عبد لعزيز أخنوش أن تُبرر هذا التناقض الصارخ بين خطابها المطمئن على شاشات الإعلام العمومي المحنط وبين واقع المستشفيات الذي يصرخ بالكارثة؟ أليست التنمية الحقيقية هي ما يلامس حياة المواطن اليومية، لا ما يُرصَّع به التقرير الرسمي بالأرقام البراقة؟ كيف يُترك قطاع الصحة في هذا المستوى المأساوي بينما تُستنزف الأموال الطائلة في مهرجانات وحفلات غنائية ورياضية وغيرها… مجالات تُعتبر ثانوية لا تسد جوعاً ولا تداوي جرحاً؟ إن ما وقع في أكادير ليس إلا إنذاراً، لكنه في العمق مرآة تعكس واقعاً عاماً .
الأصوات الغاضبة تتعالى، الاحتجاجات تتسع، والفجوة بين ما يُقال وما يُعاش باتت خطراً داهماً . والمغاربة لم يعودوا مستعدين لانتظار وعود مؤثثة ولا حلول مؤجلة؛ فالنار باتت أقرب إلى الحطب، والشرارة قد تشتعل في أي لحظة . لقد صرخ الشعب، وأوجعته الفواجع، وأحرقه الانتظار … فهل من أذن تسمع؟ .. وهل من قلب يعي؟ .. وهل من ضمير مستيقض؟ .. أم أن القصة ستتكرر، والكارثة ستتضاعف، في وطن يئن تحت ثقل الإهمال وسوء التدبير؟ أكادير صرخت فهل من مجيب؟ .. * * * والشعب بكى فهل من طبيب؟ .. الأرواح تسقط والجرح رهيب * * * والوطن ينادي بصوت غريب فيا وطني لا تُهمل الجراح * * * فالنار تكبر إن غاب الصلاح إن لم تُصن للناس حقّ الحياة * * * فلا كأسَ يُغني ولا فوزَ يُتاح فاحفظ كرامتنا من الضياع * * * وامسح دموع الأمهات بالرباع إن لم تكن للعدل فينا شراع * * * غرق الوطن في بحر الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى