المدرسة العمومية: كيف تعتزم الحكومة مواجهة تحدي الجودة وتكافؤ الفرص

متابعة: أحمد رباص
مع عودة ملايين التلاميذ إلى مقاعد الدراسة، اختارت وزارة التربية الوطنية أن تُبرز عزمها. صباح يوم الجمعة الأخير في الرباط، قدّم الوزير محمد سعد برادة الخطوط العريضة للعام الدراسي 2025-2026. ورسم، مُستندًا إلى أرقام، صورةً طموحةً لإصلاحٍ يُراد منه أن يكون اجتماعيا وتربويا في آنٍ واحد. مؤسساتٌ رائدة، وتعليم أولي، ودعمٌ اجتماعي، وتوظيفٌ إضافي. يبدو أن الوزارة تُوظّف مواردَ ضخمة. لكن وراء هذه التصريحات والوعود، ما تزال التحديات جسيمة. إن كسب رهان التعليم الجيد والعادل معركةٌ تتجاوز مجردَ مهمةٍ حكوميةٍ واحدة.
في قاعة مؤتمرات مفعمة بالحيوية، محاطا بمعاونيه المقربين ومديري الأكاديميات والمسؤولين المركزيين، حدد وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، النقاط الرئيسية للعام الدراسي 2025-2026. وخلفه، عرضت شاشة عملاقة أرقاما ورسومات بيانية، مع رسالة رئيسية في الخلفية: من المفترض أن يكون هذا العام الدراسي مرحلة محورية في الإصلاح التعليمي الجاري منذ عدة سنوات.
أعلن الوزير منذ البداية أن العام الدراسي 2025-2026 “يفتتح بروح التجديد، مهتديا بخارطة الطريق 2022-2026 المصممة لمدرسة عامة عالية الجودة”، مذكرا بأن هذا أيضا عام دراسي يتماشى مع التوجيهات الملكية السامية وقانون الإطار 51.17. الهدف ثلاثي الأبعاد: توسيع نطاق الوصول وتحسين الجودة والحد من التفاوتات.
في الواقع، تكشف الأرقام بشكل مباشر عن حجم التحدي: أكثر من 8.2 مليون تلميذ، حكوميا وخاصا، يلتحقون بالمدارس هذا العام. وفي المناطق القروية، حيث يتركز أكثر من نصف المدارس، يزداد الضغط بشكل ملحوظ. ولمعالجة هذا الوضع، ستفتح 169 مدرسة جديدة أبوابها هذا العام، تضم 2461 فصلًا دراسيا و15 مدرسة داخلية إضافية. وأوضح المسؤول الكبير أن إجمالي عدد المدارس في البلاد سيبلغ الآن 12441 مدرسة.
في إطار التعليم الأولي، تناول الوزير بإسهاب دور رياض الأطفال، الذي يعتبره حجر الزاوية في أي إصلاح يُركز على المستقبل. وفي هذا الصدد، يُعرب عن فخره بإنجازاته. هناك ما يقرب من مليون طفلا مُسجلين بالفعل، 67% منهم في المدارس الحكومية، لكن الطموح هو تحقيق تغطية بنسبة 85%. وأكد قائلاً: “لم تعد رياض الأطفال مجرد حلقة في السلسلة التعليمية؛ بل أصبحت رافعة أساسية لتكافؤ الفرص”. وللاستفادة الكاملة من هذه الرافعة، تم افتتاح ما لا يقل عن 2500 فصل دراسي جديد، وخضع 5000 مُربي لتدريب مُتعمق. لكن أذا كانت الأرقام تُشير إلى الكثير من الجهود التي تبذلها الوزارة، إلا أنها لا تكشف عن تحدٍّ يجب مُعالجته بأي ثمن: فالتأخر في دفع رواتب المُربين يُمثل مصدرا للإحباط والاستياء. ووعد الوزير قائلاً: “نعمل على حل الاختلالات الإدارية لضمان دفع رواتبهم في موعدها”، مُذكرا بأن جودة التعليم تعتمد أيضا على ظروف العمل.
من التطورات الأخرى التي تُسلّط الوزارة الضوء عليها باستمرار: تجربة المؤسسات الرائدة. وبلهجة واثقة، لم يتردد السيد برادة في وصف المدارس والثانويات الرائدة بأنها مختبرات حقيقية للإصلاح، ووعد بتوسيعها. وقد تضاعف عددها هذا العام الدراسي، من 2000 مؤسسة إلى 4626 مؤسسة، منها 786 مدرسة إعدادية، ما يُغطي 51% من مدارس البلاد.
يشارك اليوم أكثر من مليوني تلميذ و75 ألف معلم في هذه التجربة التعليمية. ولذلك، حرصنا على إعادة تأهيل هذه المؤسسات وتزويدها بالمعدات الرقمية لتصبح واجهةً للتعليم المتجدد. وتقدم هذه المؤسسات الآن برامج دعم تربوي مكثفة وأنشطة لامنهجية متنوعة. وذكّر السيد برادة قائلاً: “لقد أخذنا في الاعتبار استنتاجات التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي قيّم 600 مدرسة، وخلص إلى تحقيق 80% من الأهداف المحددة”، مؤكداً أن وزارته تستعد لخوض مرحلة جديدة من التقييم من خلال إنشاء علامة “المؤسسة الرائدة”، التي تُمنح وفقاً لمعيار دقيق وُضع بالتعاون مع المرصد الوطني للتنمية البشرية.
إلى جانب المناهج التربوية المُعتمدة وفعاليتها، تُركز الوزارة على العدالة الاجتماعية لضمان النجاح الدراسي. هذا العام، سيحصل أكثر من 3.2 مليون تلميذ على منحة العودة إلى المدرسة. ستستقبل المدارس الداخلية ما يقرب من 217 ألف تلميذ، وسيستفيد أكثر من 683 ألف تلميذ من خدمة النقل المدرسي، وسيستفيد أكثر من 80 ألف تلميذ من وجبات الإطعام المدرسي. حلت خطة العمل هذه محل برنامج “مليون حقيبة مدرسية” الذي أُدمج في نظام المساعدة الاجتماعية المباشرة، وعُدِّل ليشمل المزيد من العائلات. ومع ذلك، لا يزال الهدر المدرسي أحد أكبر التحديات، حيث لا يزال يؤثر على 180 ألف تلميذ. ولمعالجة هذا الأمر، أعلن الوزير عن إنشاء وحدات رائدة لرصد التلاميذ في الثانويات لتحديد الشباب الذين يواجهون صعوبات، ومن ثم دعمهم من خلال برامج مثل المدارس الصيفية.
ومن بين التطورات الجديدة أيضا تسريع وتيرة تدريس اللغة الأمازيغية: سيتم تدريس هذه اللغة هذا العام في أكثر من نصف المدارس الابتدائية، مع طباعة الكتب المدرسية بنهاية الشهر. وأوضح الوزير أن “المنهج المُتبع مماثل للمنهج المُتبع في تدريس اللغتين العربية والفرنسية”. أما اللغة الإنجليزية، فقد أصبحت تُغطي المرحلة الإعدادية بأكملها. ويشهد الإدماج تقدما ملحوظا. تستقبل المدارس الآن عددا متزايدا من التلاميذ ذوي الاحتياجات، ومن المتوقع أن يتجاوز عددهم 70,000 تلميذ هذا العام. ولأن التنمية الشخصية تشمل أيضا الرياضة، فإن برنامج الرياضة والدراسات يواصل توسعه ليصل إلى أكثر من 15,000 تلميذ.
لذلك، هناك مشاريع كبرى قيد التنفيذ. ومع ذلك، فبدون مناخ اجتماعي سلمي وعلاقات ثقة مع جميع الشركاء، ستُعرقل جهود الوزارة. وفي هذا الصدد، أشار السيد برادة إلى تقدم الحوار الاجتماعي مع النقابات، ولم يتردد في الإشادة بدورها قائلاً: “لولاها، لواجهنا مشاكل من شأنها أن تُعيق عملية الإصلاح”. كما وضع الوزير مسألة الاكتظاظ في الفصول الدراسية في منظورها الصحيح: فهو شبه معدوم في المدارس الابتدائية، ويصل إلى 12% في المدارس الثانوية المهنية، وهي ظاهرة عزاها إلى نزوح العائلات التي تعيش في مناطق سكنية هشة. وفي إشارة إلى المدارس المخصصة للتلاميذ المتضررين من زلزال الحوز، التزم السيد برادة بجدول زمني دقيق لإعادة فتح المدارس: ستكون 800 مدرسة جاهزة بحلول دجنبر، وستتبعها 300 إلى 400 مدرسة أخرى في مارس، وسيتم الانتهاء من المشاريع المتبقية في عام 2026. وأكد قائلاً: “ستكون جميعها جاهزة وجاهزة لاستقبال الطلاب”.
لم يختتم الوزير خطابه حول مستقبل التعليم دون إماطة اللثام “الدور المحوري” للمعلمين، “الركائز الأساسية لأي إصلاح”. هذا العام، سيعزز أكثر من 14 ألف موظف جديد الفرق التي تم تعبئتها بالفعل. وبالمثل، من المتوقع اتخاذ إجراءات لإعادة التقييم: زيادة في تعويضات العمل الإضافي ومكافآت قدرها 10 آلاف درهم للمعلمين والمديرين المعينين في المدارس الرائدة.
وفي السياق نفسه، أعلن الوزير عن إنشاء نظام للرصد: مراكز استماع جهوية، وإشراف من الأكاديميات الجهوية، ولجنة مركزية لتوفير الكتب المدرسية.
واختتم محمد سعد برادة، عازما بجلاء على جعل موسم للدخول المدرسي فرصة لا تفوّت: “الهدف واضح: استباق الصعوبات والحفاظ على دينامية الإصلاح”.