وجهة نظر

مدينة وادي زم الموت البطيء لشبابها شاباتها-عبد الجليل لفغاني

تقديم:

    تعد مدينة وادي زم من الحواضر المغربية التي ارتبط تاريخها الحديث بالتحولات الوطنية الكبرى، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. فقد كانت هذه المدينة، قبل إعادة التقسيم الجهوي لسنة 2015، تابعة لجهة الشاوية ورديغة، وهي جهة جمعت بين المجال الفلاحي الغني بسهل الشاوية والمجال المنجمي لمنطقة خريبكة وورديغة، مما منحها مكانة استراتيجية في قلب المغرب[1]. وبحكم أحد أبناء مدينة وادي زم الشهيدة وما فعلته المقاومة ضد المستعمر الغاشم. أثنا فترة الحماية حتى استقلال المغرب. وما شهدته بعد ذلك من ازدهار حتى التسعينيات من القرن الماضي ، كانت مدينة وادي زم مدينة جميلة ومفعمة بالحياة والحيوية، وحيث يقولون “ماضها أحسن من حاضرها”. لكن بعد دخول القرن الواحد والشعرين، دخلت المدينة في شبح الموت البطيئ هذا الشبح الذي قتل طاقة الشباب و الشبات هذه المدينة العتيقة.

     وقد شكل هذا الانتماء الجهوي محدداً أساسياً في مسار وادي زم، حيث تفاعلت مع المحيطين الفلاحي والمنجمي معاً، فاستقطبت أعداداً متزايدة من العمال والفلاحين والنازحين من مختلف المناطق، الأمر الذي جعلها تعرف تحولات ديمغرافية واجتماعية متسارعة[2].

    وتعتبر مدينة وادي زم إحدى مدن جهة بني ملال-خنيفرة، تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة تتجسد في ارتفاع معدلات الأمية والبطالة بين سكانها، لاسيما الشباب في مجال البطالة. وأمية مع كبار السن أصبحت هذه المدينة نموذجًا حيًا للمشاكل التي تواجهها بعض المناطق في المغرب. وقد أدى هذا الواقع إلى تعقيد الوضع الاجتماعي، والاقتصادي مما يهدد بشكل خطر مستقبل الأجيال الصاعدة. وهذا يدل على أن السياسات العمومية لجهة بني ملال/خنيفرة المتمثلة في أحزابها و رؤساء الجماعات المحلية لم تقم بأي عمل صغير وخصوصا اقليم خريبكة..

كما ارتبط اسم المدينة في الذاكرة الوطنية بأحداث 20 غشت 1955، التي مثّلت إحدى أبرز المحطات في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، حيث شهدت انتفاضة شعبية عنيفة ساهمت في تسريع مسار استقلال المغرب[3].

    إنّ دراسة تاريخ وادي زم ضمن إطار جهة الشاوية ورديغة تكشف عن تداخل بين البعد المحلي والوطني، فمن جهة أسهمت المدينة في تقوية الدينامية الاقتصادية للجهة عبر دورها الوصلي بين السهول الفلاحية بالشاوية والمناطق المنجمية بخريبكة، ومن جهة أخرى ساهمت بفعالية في صياغة جزء من الذاكرة الوطنية المغربية من خلال مقاومتها الباسلة[4].

    وفي هذا المقال، سنتناول الأسباب التي تقف وراء هذه الظواهر، آثارها على المجتمع المحلي، ونسلط الضوء على الحلول الممكنة لتحسين الوضع الراهن.

أولا: واقع الأمية والبطالة في مدينة وادي زم مرتفع، إن أخدنا الاحصاء الوطني العام لسنة 2004 الى سنة 2024 من قبل المندوبية السامية للتخطيط، وبعض المؤسسات البحثية المحلية والوطنية تظهر أن اقليم خريبكة يعاني. وجميع الأقاليم التي تحتوي على الثروات المنجمية تعاني من الهشاشة والفقر و البطالة، مدينة وادي زم من هذه المدن. فهي تحتوي على نسب أمية مرتفعة، خصوصًا في صفوف النساء والرجال، و بعض الشباب. أما البطالة لا حرج عليها سواء الحاصلين على الشواهد أو غير الحاصلين. بسبب قلة المشارع الاجتماعية والاقتصادية كذلك ضعف البنية التحتية، وتراجع الاستثمارات المحلية.

    كما تساهم البطالة في زيادة ظاهرة الهجرة، حيث يهاجر العديد من الشباب إلى المدن الكبرى أو حتى خارج البلاد بحثًا عن فرص عمل. أما بالنسبة للأمية، فهي تُضعف من قدرة الفرد على التفاعل مع محيطه بشكل إيجابي، مما يؤثر على مشاركته في الحياة العامة والسياسية.

    كما أن الشباب الذين يعانون من الأمية يواجهون صعوبة في التأقلم مع متطلبات سوق العمل العصري الذي يفرض مهارات متقدمة ومعرفة بأساسيات التكنولوجيا واللغات.

وسبل تجاوز هذه  الأزمة هي تحسين واقع الأمية والبطالة في مدينة وادي زم، و تبني استراتيجيات متعددة الأبعاد أن تكون مبنية على التحليل النظري السوسيولوجي و التطبيق الميداني التدخلي للعمل الاجتماعي المتمثلين في العاملين الاجتماعيين والتي تقوم بها جامعو سلطان مولاي  سليمان في كلية الاداب والعلوم الانسانية بتكوين هذه الفئة ذات كفاء عالية منهجيا ونظريا وتطبيقيا.

كذلك ينبغي تكثيف جهود محو الأمية من خلال برامج تعليمية مكثفة، خاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق القروية التابعة للمدينة.

إذ أن معرفة حجم هذه الظاهرة بشكل تفصيلي يعد أمرًا بالغ الأهمية، سواء على مستوى تصميم السياسات العمومية الاجتماعية والاقتصادية المحلية و الجهوية و الوطنية أو على مستوى الإحصاءات التي من شأنها أن تساعد في رسم استراتيجيات اجتماعية وتنموية مناسبة.

    إن استكمال هذه الدراسات الميدانية سيساهم بشكل كبير في وضع حلول عملية وأكثر دقة لهذه المشكلة، التي لا تقتصر فقط على وادي زم بل تشمل العديد من المدن المغربية الأخرى.

الخاتمة:

    إن معضلة الأمية والبطالة في مدينة وادي زم تتطلب استجابة عاجلة وشاملة على جميع الأصعدة. مع مرور الوقت، إذا لم يتم تفعيل الحلول المناسبة، فإن الأجيال الصاعدة ستواجه مستقبلًا قاتمًا، يعمق من معاناتهم. من أجل ذلك، يتعين على السلطات المحلية والمجتمع المدني تكثيف الجهود والعمل بشكل جاد من أجل توفير فرص تعليمية وتوظيفية أفضل، لتكون وادي زم نموذجًا للتطور والتحول الإيجابي في المنطقة.

المراجع:

1/ المندوبية السامية للتخطيط، التقطيع الجهوي للمغرب (الرباط: منشورات رسمية، 2014)

2/ محمد الجغمي، التحولات الديمغرافية والاجتماعية بمدينة وادي زم (الدار البيضاء: دار النشر المغربية، 2002

3/ عبد الله المودن، ذاكرة المقاومة والتحرير: انتفاضة وادي زم 20 غشت 1955 (الرباط: منشورات جمعية المقاومة، 1997)

4/ عبد الكريم الناصري، الجهات المغربية: التاريخ والتحولات (الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، 2010)

[1]المندوبية السامية للتخطيط، التقطيع الجهوي للمغرب (الرباط: منشورات رسمية، 2014).

[2]محمد الجغمي، التحولات الديمغرافية والاجتماعية بمدينة وادي زم (الدار البيضاء: دار النشر المغربية، 2002).

[3]عبد الله المودن، ذاكرة المقاومة والتحرير: انتفاضة وادي زم 20 غشت 1955 (الرباط: منشورات جمعية المقاومة، 1997).

[4]عبد الكريم الناصري، الجهات المغربية: التاريخ والتحولات (الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، 2010).

+ طالب الباحث في علم الاجتماع والعمل الاجتماعي عبد الجليل لفغاني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى