فصل جديد من الحرب الكلامية بين قادة حزبيين بينهم زعيم نقابي

أحمد رباص – تنوير
مباشرة بعد انتهاء الأحزاب المغربية، بيمينها ويسارها، من تقديم مذكراتها حول ما يجب أن تكون عليه الانتخابات المقبلة، حتى تجددت المعارك الكلامية بين أطراف اعتاد المغاربة على التفرج على تبادلهم أقبح النعوت والصفات.
وحتى لا نتيه وسط صخب وضجيج المعركة الكلامية المستعرة حاليا والمرشحة لمزيد من السعار خلال الشهور التي تفصلنا عن الانتخابات القادمة، نكتفي برصد بضعة مشاهد كافية للدلالة على المستنقع الموحل الذي يغرق فيه قادة أحزابنا التي تتصدر، يا حسرة، مشهدنا السياسي دون إرادة منهم لوضع حد لهذا العبث احتراما لذكاء المغاربة وأملا في استعادة ثقتهم في مؤسسات حزبية ونقابية مقطوعة الصلة تماما بطموحات وانتظارات الجماهير الكادحة.
مما لا شك فيه أن عبد الإله بنكيران وهو يهاجم خصومه بشراسته المعهودة وبسلاطة لسانه المعروفة يريد تصفية الحساب مع من حصل لديه اليقين بأنهم كانوا وراء “البلوكاج” الذي أقض مضجعه بالحيلولة دون ترؤس الحكومة في ولاية ثانية مع أن حزبه حصد عددا كبيرا من المقاعد في البرلمان، وكذا مع من تآمروا على تجرعه مرارة الفشل الذريع في انتخابات ثامن شتنبر 2021.
وهكذا، عندما تناهى إلى سمعه أن الميلودي موخاريق ناشد أتباعه في نقابة الاتحاد المغربي للشغل والمتعاطفين معها التصويت العقابي على حزب العدالة والتنمية، خرج بنكيران، صوتا وصورة، ليصفه أمام الملإ بـ”البانضي”. فما كان من موخاريق إلا أن رد له، في خرجة إعلامية مماثلة، الصاع صاعين.
لم يتأخر موخاريق في الرد على بنكيران، حيث وصف استفادته من معاش سمين يبلغ 70 ألف درهم شهرياً بـ”الفضيحة”، مذكّراً بأن رئيس الحكومة الأسبق لم يساهم بأي درهم في صندوق التقاعد، ومع ذلك يتمتع بسيارة فخمة، وعلى نفقة الدولة وضع حراس خاصون رهن إشارته.
وشدد موخاريق على أن بنكيران الذي قرر رفع سن التقاعد، وجمّد الحوار الاجتماعي، وضرب الحريات النقابية، لا يحق له أن يتحدث عن الأخلاق أو أن يهاجم النقابيين بأوصاف قدحية.
وكشف المسؤول النقابي أن ما يزيد الطين بلة هو “تجرؤ بنكيران على طلب الاستفادة من التغطية الصحية عبر صندوق كنوبس دون أن يساهم فيه إطلاقاً”، معتبراً ذلك “انتهازية صريحة” تفضح ازدواجية خطابه. وأضاف موخاريق أن العمال والنقابيين الذين تضرروا من قرارات حكومته، هم الأحق بالدفاع عن حقوقهم، مؤكداً أن بنكيران كان حرياً به أن “يخجل من نفسه” بدل التباهي بمعاش الريع واستجداء امتيازات إضافية.
ولأن إدريس لشكر وضع يده في يد عزيز أخنوش لعرقلة جهود بنكيران لأجل تشكيل حكومة ولايته الثانية كما تبين له، وجه الأخير مدفعيته نحو الكاتب العام لحزب “الوردة” الذي خرج بدوره للدفاع عن نفسه بالنبش في ماضي رئيس حزب “المصباح” فاضحا المستور. استعاد لشگر بداية السبعينيات ليقول لنا إن بنكيران كان آنذاك “زير نساء” في كلية العلوم بالرباط، وفي أوساط نفس العقد خرج في تظاهرة مضادة للتحقيق القضائي في اغتيال عمر بن جلون في محاولة للتشوبش على مجرياته.
وقد يتساءل القارئ الكريم عن دواعي ظهور هذا الفصل الجديد من المعارك السجالية بين هؤلاء الرجال في هذا الظرف بالذات. واعلم أن تلك الدواعي لا تخرج عن دخول بلادنا في مرحلة العد العكسي لانتخابات تشريعية يخوض المغرب، دولة، حكومة وشعبا، غمار الاستعداد لها، في ما يشبه حملة انتخابية سابقة لأوانها وينعدم فيها الحس الأخلاقي ويغيب عنها الشعور بالمسؤولية السياسية أمام الشعب، وقد ننزع نحو اعتبارها مطابقة لكل ذلك دون تشبيه.
والآن، يا من يتابع هذه السطور، أدعوك إلى أن تتساءل معي: ألا يستحق الشعب المغربي قادة حزبيين ونقابيين يعكفون على إبداع مساهمات مندمجة في صياغة مشروع مجتمعي تنموي يهدف إلى معالجة أعطابه واختلالاته التي يشكو منها على جميع المستويات؟ وإذا كان العقل السليم يقتضي الجواب على هذا السؤال بالإيجاب، فالوقائع التي تؤثث حاليا مشهدنا السياسي تدل على أن هؤلاء الساسة عاجزون عن الإتيان بما ينعش آمال المغاربة في مستقبل زاهر وينقذ ثقتهم في المؤسسات الحزبية والنقابية المنوط بها أداء، من بين أمور أخرى، دور الوساطة بينهم والدولة التي يلمس الجميع أنها ما فتئت تتقوى وتتغول إذا ما قورنت بالمجتمع.