عاش العالم منذ عقود على ايقاع حركات مدنية متعددة الاختصاصات و الانشغالات ،سواءتعلق الامر بالحركات الحقوقية والايكولوجية او النسائية…او بالجماعات الشعبية الضاغطة المناهضة للحروب العدوانية،كماحدث ابان الغزو الامريكي لفيتنام وكذا حرب الإبادة الوحشية الفاشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
بعد خروج الاتحاد السوفياتي مهزوما من الحرب الباردة،وماصاحبه من تراجع واضح للعامل الايديولوجي وانهيار بعده التبشيري،عمقت الحركات المدنية من حضورها الميداني المنظم كقوة اقتراحية داخل المجتمعات الرإسمالية-ومابعدهاـالخاضعة لمنطق تفاوت التطور،حيث تمكنت من تسجيل حضورها النوعي ،عبر تنظيم أممية الجهر بالاحتجاج ضد مظاهر العولمة العسكرية المتمثلة في العدوان على افغانستان وعراق صدام حسين،او على قاعدة توفير التغطية السياسية و الشراكة العسكرية لحرب الإبادة بالجملة بالتقسيط ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة…امام هذه الهبات الأممية التي أخذت منحى متعاظما في مواجهةمختلف مظاهر النيوليبرالية المتوحشة،سواءفي جوانبها العسكرية والامنية،او في مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
عاشت معظم المجتمعات التي تقع خارج المراكز الرأسمالية على ايقاع “مجتمعات مدنية”صاعدة ـخصوصا في طبعاتها العربية عموما المغربية تحديداـلم تكتمل ملامحه النهائيةـلكنه سجل حضورا لافتاللنظر،جديرابالتامل والمتابعة وكذا المساءلة.لقد ارتإينا ضمن هذا السياق العام ان تاتي مساهمتنالرفع اوجه اللبس القائمة ،التي واجهت معظم انماط التعاطي المتفاوت من حيث اختلاف مواقع النظر،لعلاقة المدني بالسياسة ولاسئلته المعلقة.
في علاقة سؤال المدني والسياسي
تستقطب العلاقة بين المدني والسياسي(مساحة مشتركها-تفرعاتها-حدودها-سؤال استقلاليتها…)اشكالا عميقا وحادا.مرد هذا الاشكال ناتج أساسا عن طبيعة الاتساع المضطرد لحيزات العمل المدني،اضافة لقوته المتنامية كرأي عام يجترح استقلاليته المركزية عن حقل العمل السياسي المباشر،مثلما يفصح عن نفسه عمليا كحس مدني وثيق الصلةبالمشكلات والاحتياجات
اليومية لاقسام وقطاعات اجتماعية مهمة.في مقابل الاهتزاز الواقعي لصورة السياسة وضعف رإيها العام،مع ما صاحبه من تراجع ملحوظ على قدرة التنظيم أو الحزب-كاحد اهم روافع الحداثة السياسيةـفي التأطير
والاستيعاب والتعبئة،وبناء رأي عام سياسي حقيقي ضاغط ومؤثر.
يمكن وجه الحدة والمفارقة ،في مظاهر الاضعاف-المضمر منه او الظاهرـلفائدة تقوية “مجتمع مدني”رسمت بعض معالم “حريته”بعناية فائقة ،مع ما قد يحمله ذلك من انعكاسات سلبية مفترضة على مستقبل الممارسة السياسية،خصوصا المتصل منها بدور ووظائف المؤسسة الحزبية.
تتحدد بعض من مظاهر اضعاف الرأي العام السياسي في وجهين:
أ-الوجه الاول:تعبر عنه طبيعة وتوعية التناسل التنظيمي المستمر و المتعدد للجمعيات،بحيث يفضي هذا التناسل الى وضعية اقرب بكثير الى الاغراق الجمعوي-كطبعة رديفة للاغراق الحزبي -الذي تتلخص احدى وظائفه العملية في ممارسة فعل مزدوج:
امتصاص النشاط السياسي المنتشر داخل المجتمع.
توسيع حيزات قضم المدني للسياسي، او احتواء أثره المباشر.