الحنبلي عزيز
ظهرت حركة GENZ212 كواحدة من أبرز التعبيرات الاحتجاجية لجيل “Z”، جيل الإنترنت والهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. انطلقت من ديسكورد تحت شعار: “جيل Z.. صوت شباب المغرب”، وجمعت في ظرف وجيز آلاف المتابعين قبل أن تدعو إلى النزول إلى الشارع يومي 27 و28 شتنبر 2025. اختيار الرقم 212 كان إعلانًا عن وعي وطني وشمولية في الخطاب، كأنه يقول: نحن لسنا فئة معزولة، نحن صوت شباب المغرب كله.
المطالب التي رفعتها الحركة لم تكن مستحيلة ولا خارجة عن المألوف: شغل كريم وعدالة في التوظيف، صحة وتعليم في المستوى، حرية تعبير، ومحاربة الفساد والريع. هي مطالب طبيعية في أي دولة حديثة تحترم شعبها. لكن المفارقة أن الاستجابة لم تأتِ، بل كان الرد هو المنع المسبق، القمع في الشارع، والاعتقالات بالجملة.
المشهد أعاد إلى الأذهان شعارات “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية” و*“الشعب يريد إسقاط الفساد”*. نفس الصدى الذي هز الشوارع قبل أكثر من عقد مع حركة 20 فبراير، لكنه عاد الآن بصوت جيل جديد أكثر وعيًا بالرقمي وأكثر قدرة على التعبئة.
غير أن الفرق الجوهري يكمن في تعامل الدولة. ففي 2011، كان هناك هامش للإصلاح: دستور جديد، انتخابات مبكرة، محاولة امتصاص الغضب الشعبي. أما في 2025، فقد بدا أن السلطة أغلقت الأبواب منذ البداية، واختارت لغة التخوين والركوب، ثم نزلت بثقلها الأمني لوقف الاحتجاجات في المهد.
الأحزاب بدورها كشفت عجزًا مخزيًا: المعارضة ترددت واكتفت ببلاغات باهتة، الحكومة وصفت الشباب بالمؤدلجين واعتبرت الاحتجاجات مناورة سياسية، فيما القوى اليسارية أبدت تضامنًا صريحًا لكنها بلا وزن حقيقي. النتيجة: جيل كامل وجد نفسه يتيمًا سياسيًا، لا حزب يمثل مطالبه، ولا حكومة تصغي لآلامه.
الخطير اليوم أن الحكومة الحالية، بسلوكها المرتبك ولغتها العدائية، تتحمل المسؤولية الكاملة في صب الزيت على نار الغضب. بدل أن تنصت وتبادر إلى إصلاحات ملموسة، لجأت إلى أسهل وأخطر الحلول: الهراوة والتخوين. وهذه المقاربة ليست فقط عجزًا سياسيًا، بل مقامرة بأمن الوطن واستقراره.
إن GENZ212 ليست نزوة عابرة، بل جرس إنذار أشد من 20 فبراير. لأنها تعبّر عن جيل جديد لا يخاف الشارع، ولا يثق في وعود السياسة، ويملك سلاحًا لم يكن متاحًا في 2011: قوة الشبكات الرقمية التي تتجاوز الحصار الإعلامي وتوصل الصوت في ثوانٍ إلى الداخل والخارج.
الرسالة واضحة وصارخة: إما أن تنصت الحكومة لشبابها وتقدم إصلاحات جذرية تنهي عقودًا من التهميش، أو أن تستعد لانفجارات اجتماعية أوسع وأعمق قد تعيد المغرب إلى لحظة 20 فبراير، ولكن هذه المرة بصوت أكثر حدّة وجيل أقل صبرًا.