مجتمع

خطاب إلى شباب الوطن المغاربة – حميد قاسمي

يا شباب هذا الوطن.. بين الغضب والإصلاح مسار واضح، فلتكن المطالب عقلانية، والكلمة أمانة، والحوار الوطني سبيلنا لتوحيد الجهود وبناء مستقبل المغرب بثقة ورؤية ثابتة حميد قاسمي-تنوير
يا شباب هذا الوطن، إنّ ما قدّمتموه من احترام للتوابث الوطنية وحرص على إبراز غيرتكم على مستقبل البلاد أمر محمود يستحق التنويه، ويعبّر عن وعي متنامٍ ورغبة صادقة في المساهمة في الإصلاح والتغيير. غير أنّ الحماسة وحدها لا تكفي، فالإصلاح يحتاج إلى عمقٍ في الرؤية ودقّة في الطرح، وإلى مطالب متدرجة قابلة للتنفيذ، تُبنى على أسس واقعية وتستند إلى المؤسسات الدستورية التي ارتضاها المغاربة.
إنّ الوثيقة التي أصدرتم كمشرفو genz212 في معرض ردّكم على المسؤولين، تبيّن بلا شك أنّ صوت الشباب حاضر ومؤثر، غير أنّها تحمل في طياتها ملاحظتين جوهريتين تستدعيان التوقف والنقاش المسؤول:
الملاحظة الأولى، تتعلق بمطلب حلّ الأحزاب. وهو مطلب جسيم يفتقر إلى الواقعية، لأنّ الأحزاب تظلّ ركائز أساسية للحياة السياسية تستمد مشروعيتها من المجتمع ومن النصوص الدستورية. غير أنّ الخلل القائم لا يعالج بالهدم بل بالإصلاح، وذلك عبر إرساء لجنة مستقلة تتولى الإشراف على العمل الحزبي والانتخابي، بعيدًا عن وصاية وزارة الداخلية ورئاسة الحكومة، بما يضمن نزاهة العملية السياسية واستعادة الثقة المفقودة.
أما الملاحظة الثانية، فتخصّ الدعوة إلى جلسة علنية برئاسة الملك. صحيح أنّ المؤسسة الملكية تضطلع بدور محوري في ضمان التوازن بين السلط، لكن الأجدر في هذا السياق هو الدفع نحو محاكمات علنية حقيقية، تُنقل أطوارها للرأي العام عبر وسائل الإعلام، بما يرسّخ الشفافية ويعيد الثقة في مؤسسة العدالة، بدل تعليق الآمال على مشهد رمزي لا يحقق المقصود .
يا شباب هذا الوطن، إنّ المطالب كما وردت في الوثيقة تنحو منحى بعيدًا عن الجوهر، فالإصلاح لا يقوم على الانتقام أو الاندفاع، بل على بناء منظومة سياسية وقانونية رصينة قادرة على الاستمرار. فلا يمكن تحقيق المطالب الاجتماعية الكبرى بمعزل عن أدوات سياسية دقيقة، مثل إخراج القوانين التنظيمية لمحاربة الفساد، وتفعيل المؤسسات الدستورية المعلّقة، وإصلاح القضاء بفتح حوار وطني جاد تشارك فيه الكفاءات كلّ حسب اختصاصه من سياسيين ومثقفين وحقوقيين لهم غيرة صادقة على الوطن.
إنّ ما طُرح في الوثيقة بدا متداخلًا ومتناقضًا على نحو لا يخدم الغاية الأساس، فالإصلاح الحقيقي يقتضي ملفات مطلبية متخصصة لكل قطاع على حدة، إذ يكفي أن ملف إصلاح التعليم وحده يحتاج عشرات الصفحات من التصورات والمقاربات العملية ..
يا شباب هذا الوطن، إنّ جوهر القضية ليس في كثرة المطالب بقدر ما هو في دقتها وقابليتها للتنفيذ ..
يا شباب هذا الوطن، الإصلاح مسار تراكمي، ومن يطلب المستحيل يضيّع الممكن ..
يا شباب هذا الوطن، إن كنتم صادقين في إرادة الإصلاح، فلتكن البوصلة واضحة، ولتكن المطالب عقلانية، ولتكن الكلمة أمانة، حتى لا تضيع البلاد بين أوهام الغضب وسراب الشعارات.
وخاتمة القول: إنّ ما تحتاجه البلاد اليوم ليس رفع الشعارات فحسب، بل فتح حوار وطني جامع ومسؤول، تُوحَّد فيه المطالب، وتُرتَّب الأولويات، وتُصاغ خارطة طريق تشاركية، تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتمنح الشباب موقعهم الطبيعي كقوة اقتراحية فاعلة لا كصوت عابر في زحمة الغضب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى