اتفاق تجاري معدل بين المغرب والاتحاد الأوروبي من مقتضياته وضع أسماء المنشإ على منتجات الأقاليم الصحراوية

أحمد رباص ـ تنوير
أكدت مذكرة سرية من وزارة الخارجية الدنماركية، كشفت عنها وسيلة الإعلام الاستقصائية “دان ووتش”، إعداد اتفاقية تجارية جديدة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تشمل أراضي الصحراء، ومن المقرر التوقيع الرسمي عليها في الثاني من أكتوبر الجاري.
وبحسب الوثيقة، أعلنت الدنمارك بالفعل دعمها لهذه الاتفاقية، رغم التحفظات التي أعرب عنها العديد من المحامين الأوروبيين.
وذكرت التقارير أن وزير الخارجية الدنماركي لارس لوك راسموسن أبلغ لجنة الشؤون الأوروبية في البرلمان أن حكومته ستصوت لصالح الاتفاق، على الرغم من الانتقادات القانونية المضللة التي تفيد بأنه يتناقض مع أحكام القضاء في محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، التي ألغت في عام 2021 اتفاقية تجارية سابقة مع المغرب، على أساس أن الصحراء هي منطقة “منفصلة وغير متمتعة بالحكم الذاتي”.
اتفاق منقح ومستوحى من اتفاق عام 2019
بحسب موقع “دانواتش”، فإن النسخة الجديدة من الاتفاق، التي تتبع أساسيات نص عام 2019، ستحافظ على استيراد المنتجات من الصحراء المغربية، تحت إشراف الجمارك المغربية وبنفس التفضيلات الجمركية الممنوحة للمنتجات المغربية.
وتؤكد المذكرة أيضا أن الاتفاق يهدف إلى تعزيز نموذج “التنمية المستدامة” لسكان الأقاليم الجنوبية، على الرغم من أن ضمانات المشاركة الفعالة للصحراويين في إدارة مواردهم الطبيعية لا تزال غير كافية، وفقا لعدة خبراء تم الاستشهاد بهم.
نحو إحياء اتفاقيات الصيد
تتوافق هذه المعلومات مع تقرير صادر عن المنصة الأوروبية أوراكتيف، والذي جاء فيه أن المفوضية الأوروبية تعمل أيضا على ترتيب جديد لإعادة تنشيط اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، والتي تم تعليقها بعد إلغائها من قبل محكمة العدل الأوروبية في نهاية عام 2024.
تسعى بروكسل إلى إيجاد صيغة وسطى، تهدف إلى تجنب المواجهة الدبلوماسية مع الرباط، مع إظهار الاحترام الرسمي للقانون الأوروبي. وتستند هذه التسوية إلى وضع علامات منفصلة على منتجات الصحراء، مع الإشارة إلى “الصحراء الغربية” كمنطقة منشأ، دون استبعادها من النظام الجمركي التفضيلي المغربي.
ومع ذلك، ستظل جميع الوثائق الرسمية وشهادات المنشأ تصدر من قبل السلطات المغربية، وهو البند الذي يعكس الرغبة في الحفاظ على السيادة الإدارية للرباط.
وقال مسؤول أوروبي كبير نقلا عن موقع “أوراكتيف” إن “الاتحاد الأوروبي يرغب في احترام الإطار القانوني الذي فرضته المحكمة، لكنه لا يرغب في المساس بتجارته مع المغرب، شريكه الاستراتيجي والمورد الرئيسي للزراعة والصيد في المنطقة”.
المغرب يدعو إلى “الكل أو لا شيء”
وبحسب التقرير، يهدف هذا “الحل الوسط” إلى التوفيق بين المتطلبات القانونية الأوروبية وموقف المغرب الثابت، الذي يرفض رفضا قاطعا أي تمييز بين الصحراء وباقي أراضيه. وتعتبر الرباط أن أي محاولة لتصنيف المنتجات الصحراوية تحديدا تُشكل اعتداءً على سيادتها الوطنية.
ولذلك يصر المغرب على مبدإ “الكل أو لا شيء”: أي اتفاق يتم توقيعه مع الاتحاد الأوروبي يجب أن يشمل كامل التراب الوطني، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية، أو يتم التخلي عنه.
القضايا الاقتصادية والدبلوماسية
أشارت تقارير أوروبية سابقة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال الطرف الرئيسي المتضرر من تعليق اتفاقية الصيد البحري، نظرا لاعتماده الكبير على الأسماك والمنتجات الزراعية المغربية. في غضون ذلك، تواصل قوى أخرى، بما فيها روسيا، تعزيز علاقاتها التجارية والبحرية مع الرباط، مما يزيد الضغط على بروكسل لإيجاد حل عملي.
يندرج هذا التطور في سياق جيوسياسي مواتٍ للمغرب، يتميز بدعم أمريكي متجدد لسيادة المغرب على الصحراء، وتدفق متزايد للاستثمارات الدولية في الأقاليم الجنوبية. ومن شأن هذه الدينامية أن تُعيد صياغة العلاقات التجارية الأوروبية المغربية المستقبلية، وأن تُعزز مكانة المملكة كفاعل رئيسي في التجارة الأوروبية الإفريقية.
توقيع الاتفاق بين الطرفين
أبرم المغرب والاتحاد الأوروبي اتفاقا تجاريا معدلا يوم ثاني أكتوبر الجاري، يلزم بوضع علامات مميزة على المنتجات الزراعية الواردة من الصحراء المسترجعة، مع ذكر اسم الإقليم كمنشإ، مقابل الاستفادة من نفس التفضيلات الجمركية الممنوحة للمنتجات المغربية. يهدف هذا التعديل، المُوقّع في التوقيت أعلاه، إلى تلبية متطلبات محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وتطبيع العلاقات التجارية رغم الوضع المتنازع عليه للإقاليم الصحراوية.
من العناصر المؤسسة لخلفية الاتفاق هناك الاتفاقية السابقة وقرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي. فقد ألغت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي الاتفاقيات السابقة، مُلزمةً الدول الأعضاء بالتمييز بين منتجات الصحراء المسترجعة والمنتجات المغربية.
امتثالاً لهذا القرار، أبرم المغرب والاتحاد الأوروبي اتفاقا يشمل المناطق الصحراوية، ويحدد بوضوح وضع علامات على منتجاتها.
ومن الأحكام الرئيسية للاتفاق الجديد تطبيق التفضيلات الجمركية؛ حيث ستستفيد منتجات الصحراء، رغم وضع علامات منفصلة عليها، من نفس التعريفات الجمركية التفضيلية الممنوحة للمنتجات المغربية. ومن مقتضيات الاتفاق كذلك إدخال تعديلات تقنية على ملصقات المنتجات، تُحدد منشأها في مناطق مثل “العيون – الساقية الحمراء” “الداخلة – وادي الذهب”.
كما يؤكد الاتفاق دور المغرب كشريك تجاري رئيسي للاتحاد الأوروبي، إلى جانب إمكانية ولوجه إلى الأسواق الأوروبية، في إطار اتفاقية الشراكة.