وجهة نظر

مسؤولية القيادة الوطنية في تدبير شؤون التنظيم النقابي: بين منطق البناء ومخاطر التفكيك

مقدمة

يُجمع الفاعلون النقابيون على أن القيادة الوطنية لأي تنظيم تمثل بوصلة العمل الجماعي، وضمانة استمراريته وتماسكه الداخلي. فالمسؤولية النقابية، خصوصًا في المستويات الوطنية، لا تُختزل في إصدار البلاغات أو إدارة الاجتماعات، بل تتجلى في القدرة على الحفاظ على وحدة التنظيم، وتأطير الاختلاف، وتوجيه النقاش نحو خدمة المشروع الجماعي. ومن هذا المنطلق، فإن التاريخ النقابي لا يسجل عدد البيانات أو اللقاءات، بل يقيس أثر القيادة في توطيد اللحمة التنظيمية وتوسيع قاعدة المنخرطين وتعزيز الثقة في الأداء النقابي.

أولًا: القيادة بين المحاسبة وثقافة الخوف من النقاش

 إن من أبرز مؤشرات نضج أي تنظيم نقابي قدرته على إنتاج نقاش داخلي مسؤول وشفاف. غير أن بعض القيادات، حين تخشى الحوار وتعتبر النقاش تهديدًا لسلطتها، تُحوِّل النقابة إلى فضاء مغلق، يفقد روحه الديمقراطية ويضعف مناعته التنظيمية.

فالكاتب العام الذي لا يتقبل المساءلة أو يضيق ذرعًا بالأسئلة المشروعة حول مصير الملفات المطلبية، إنما يعطل واحدة من أهم وظائف العمل النقابي: المشاركة الواعية في اتخاذ القرار. وعندما يُحجب التواصل، كما يحدث أحيانًا بإقصاء أعضاء من مجموعات تواصل رسمية أو بحرمانهم من المعلومة، يصبح الأمر مؤشرًا على خلل بنيوي في تصور القيادة لدورها ووظيفتها.

ثانيًا: النقابة ليست زاوية ولا طاعة عمياء

التنظيم النقابي ليس “زاوية” قائمة على الولاء الشخصي، بل هو فضاء ديمقراطي مفتوح للتعددية الفكرية والنقاش الحر. فالقائد النقابي ليس “شيخ طريقة” يطلب الطاعة، بل منسقٌ لمجهود جماعي يوحِّد المناضلين حول مشروع ومطالب واضحة.

إن الاختلاف في الرأي لا يُضعف التنظيم، بل يُقويه ويُغنيه، لأن النقد الداخلي يضمن التصحيح المستمر، ويُجنب التنظيم الانغلاق والجمود. وعليه، فكل قيادة تسعى إلى فرض نمط واحد من التفكير تُهدد، من حيث لا تدري، أسس العمل النقابي الديمقراطي.

ثالثًا: قوة التنظيم في دعم الفروع لا في إضعافها

من المؤشرات الدالة على نجاعة القيادة الوطنية مدى حرصها على تمكين الفروع ودعم مبادراتها الميدانية. فالفروع هي الامتداد الحقيقي للنقابة في الميدان، ومصدر شرعيتها الاجتماعية والتنظيمية.

أما تضييق الخناق على الفروع أو افتعال الأزمات داخلها فيُعدّ شكلًا من أشكال الإضرار الذاتي بالتنظيم. فالقيادة التي تعتبر “خلق المتاعب لفرعٍ ما” انتصارًا، تجهل أن قوة النقابة تُقاس بتماسكها الأفقي لا بتفوق مركزها على أطرافها.

رابعًا: أهلية القيادة وشرط الكفاءة النضالية

العمل النقابي مسؤولية قبل أن يكون موقعًا. لذلك، فإن تولي القيادة الوطنية دون رصيد نضالي أو خبرة تنظيمية كافية يُشكل خطرًا على مستقبل التنظيم. فغياب التجربة يؤدي إلى قرارات مرتجلة وضعف في التخطيط والتواصل، مما يُفضي غالبًا إلى حالة من الشلل أو الكمون التنظيمي. القيادة غير المؤهلة لا تضر نفسها فحسب، بل تضعف ثقة القواعد وتُفقد التنظيم مصداقيته.

على سبيل الختم

إن القيادة الوطنية الناجحة هي التي تُحوّل الاختلاف إلى طاقة إيجابية، وتُمارس الشفافية بدل التعتيم، وتعتبر النقد الداخلي رافعة للتقويم لا تهديدًا للتماسك. النقابة ليست ملكًا لفرد أو فئة، بل فضاء مشترك لمناضلين يوحدهم مشروع ومصير جماعي. والتاريخ، في نهاية المطاف، لا يسجل النوايا، بل الأثر: هل كانت القيادة عامل بناء وتوحيد، أم سبب تفكك وتراجع؟

فمن أراد أن يقود، فعليه أن يتقن فنّ الإصغاء قبل فنّ الخطابة، وأن يؤمن أن الديمقراطية الداخلية ليست ترفًا تنظيميًا، بل شرط وجود واستمرارية.

ذ. بن شريج عبد الرزاق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى