بين فلسطين والوحدة الترابية: جيل زد وحماس في زمن الاتفاقات الإقليمية – مصطفى المنوزي

الحلقة السادسة
صحيح أن خطأ حركة حماس ومغامرتها “السياسية ” قد يُحتسب خطأ في الممارسة والتكتيك وليس في المبدأ، غير أن الكلفة الباهظة مست بالاستراتيجية، رغم اعتبار بعض قيادات حماس أن الخسائر البشرية في صفوف فلسطينيي غزة خسائر تكتيكية. ومع ذلك، فإن الإحراج الأخلاقي والسياسي الذي وُضعت فيه الحركة لا يمكن تجاوزه بسهولة، خاصة في ظل انكشاف محدودية الرهان على عسكرة المقاومة في بيئة مغلقة ومراقبة، وعلى الخصوص بعد انهيار القواعد الخلفية للممانعة وأسطورة ” الساحات ” بعد سقوط جسر سوريا ؛ وتحول الخطاب المقاوم إلى موضوع للتفاوض الإقليمي والدولي أكثر منه مشروعًا للتحرير الفعلي. لذلك لم يعد أمام حماس سوى إعادة تعريف علاقتها بالسلطة والتمثيلية الوطنية وإعادة وصل ما انقطع مع الحاضنة المجتمعية التي استُنزفت بين خطاب التضحية والخسارة وبين الحاجة الواقعية إلى الحياة والأمن والكرامة.
بعد سنتين من عملية “طوفان الأقصى”، جاء الاتفاق المبرم تحت الرعاية الأمريكية ليُعلن نهاية مرحلة وبداية أخرى، لا يُقاس فيها النصر بعدد الصواريخ أو الرموز، بل بمدى القدرة على تحويل الصمود إلى مشروع وطني جامع. وفي الوقت نفسه، أعاد الاتفاق خلط الأوراق في المنطقة، إذ لم يعد ممكناً تجاهل قضية الوحدة الترابية المغربية ضمن مشهد جيوسياسي يتجه إلى بناء تحالفات جديدة تُعيد تعريف معنى السيادة ومفهوم الأمن الجماعي. المغرب، وهو يُوازن بين التزامه التاريخي تجاه فلسطين وبين أولوياته السيادية في الصحراء، يجد نفسه في قلب معادلة دقيقة: كيف يدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها دون أن يفرط في حقه السيادي المشروع؟
في هذا السياق، يُطرح سؤال الأجيال الجديدة، وبشكل خاص جيل زد المغربي، الذي وُلد في عالم متصل ومنقسم في آن واحد. فهل يمكن أن يكون هذا الجيل منسجمًا إلى هذه الدرجة من النضج المفترض في حركة فتية جدًا؟ في الواقع، جيل زد لم يبلغ بعد مستوى النضج السياسي الكامل، لكنه يعيش لحظة تسارع في الوعي غير مسبوقة فقوته لا تكمن في التنظيم أو التجربة، بل في حيويته القيمية وذكائه التفاعلي ، هو جيل لم يتربَّ في حضن الأحزاب ولا في ظل النقابات، بل في فضاء مفتوح من المقارنات والمعارف المتدفقة.؛ فجيل زد المغربي ( حسب الظاهر ) لا يتحرك انطلاقًا من برامج سياسية أو عقائد أيديولوجية، بل من إحساس فطري بالكرامة والعدالة لأن تضامنه مع فلسطين، أو رفضه لأي مساس بالوحدة الترابية، أو اعتراضه على الفساد، ليست مواقف منظمة بل ردود أفعال نابعة من شعور باللاعدالة أكثر منها من انتماء حزبي أو اعتقاد سياسي، إنه جيل يسائل السلطة لا ليهدمها، بل ليختبر صدقها، ويتعامل مع السياسة كخبرة حياتية يومية، لا كعقيدة مغلقة . وبذلك ليس جيل زد حركة سياسية، لكنه طاقة اجتماعية نقدية تتقاطع فيها الحساسية الرقمية مع الوعي المدني. إنه جيل في طور التحول من التلقي إلى الفعل، ومن التعاطف إلى المساءلة، حقا قد لا يمتلك بعد مشروعًا واضحًا أو تنظيما فعالًا، لكنه يمتلك لغة جديدة في الفهم والمطالبة، لغة تجمع بين النقد والمسؤولية، بين المقاومة الرقمية والمواطنة الحية. ولعل القيمة الكبرى لهذا الجيل أنه يعيد ربط القضايا الكبرى، من فلسطين إلى الصحراء، ومن العدالة إلى الحرية، بمستوى الوعي اليومي. فهو لا يكتفي بالشعارات، بل يختبر المعنى من خلال حياته الخاصة، وسلوكه الافتراضي، وموقفه من القيم. إنه الجيل الذي قد لا يغير النظام، لكنه يغير اللغة التي نفكر بها في السياسة، ويمنحها روح المساءلة بدل التقديس، والضمير بدل الشعارات. فهل من حقنا أن نكرر اعطابنا ونؤسطر ايديولوجيا الهزيمة ضدا على الأمر الواقع الذي تفرضه “عدالة ” المنتصرين؟
(يتبع)




