غريب ان تأتي هبوب الإصلاح لبلادنا -داءما- من الخارج، وخاصة لما أصبح العالم قرية صغيرة، وكأن دينامياتها الداخلية لا تكون كافية لتحقيق الانعطافات الجيوستراتبجية اللازمة. وفي غمار جو كامل من الذهول الشعبي لا تفهم “العامة”، وقد إختلف عليها البقر، ما إذا يكون كل ما يتم أمام مرأى أعينها، من هدم وبناء ومن “إصلاحات”، مادية ومؤسساتية وتشريعية، تهم الطبقات الوسطى فضلا عن الفقيرة، هو من أجل سواد عيونها “الكحلوية” أم هو لغاية في نفس جاكوب-!! يعقوب…!؟
الإشكالية والفرضية
فرضيتنا في هذا المقام، ونحن أمام تدمير سلوكات والبنايات “القديمة والمهترءة او الجديدة، حتى” ومحلات الأسواق والمقاهي الشعبية والازقة الضيقة للمدن العتيقة، لم تسلم منها بنايات المدارس ودور الشباب والثقافة والرياضة والمصحات العمومية، وعقود التعليم المحدودة الاجل و الصلاحية والسوقية …
والحال أن الفضاء المحلي- الاقليمي- الجهوي أو الوطني يتشكل من خلال تفاعلات إجتماعية محلية جهوية ووطنية يولدها من رحمها، أن الذي تفكك اوصاله -اليوم- في واضحة النهار، حيث تنفجر تناقضات المجتمع داخل فصول الدراسة، ليس فقط تراث عمراني مادي، و إنما هو موروث لامادي وثقافي وحضاري وأنسجة وأعلام ورموز دينية وأخلاقية وثقافية وفكرية أو سياسية تاريخية للوطنية المغربية وللمجتمع المغربي ( أنظر ع. الله العروي حول أصول الوطنية،…).
وأكاد أجزم -فرضا- أن استدامة التنمية تضرب اليوم في الصميم بضرب المدرسة العمومية، بالذات، أساتذتها وأستاذاتها، تلاميذ وطلبة، بنيانا ومنهاجا و برامجا…وحاضنة ثقافية وفكرية. بل إن تلك الحاضنة الهشة لا ولن تجدي نفعا في تصليب عود المعرفة والعلم والتعلم لدى التلاميذ والشباب المتعلم، وكأني بها تسكب الماء في الرمل، كما يقال..!.
حينها تتحول الثقافة والفكر إلى فلكلور وأهازيج لا تتجاوز المتعة العابرة و الصخب والبهرجة والتفاهة و الحس المشترك، المبتذل والبسيط..، عموما! ويستبدل المكتوب والمقروء الكلاسيكيين بمديح الغناء والاعراس والسياحة و سهرات التلفزة الأسبوعية والمناسباتية و بالشفوي والدارج…!!
وذلك بالقدر تماما الذي تضرب نزع الملكية، في الصميم، ربما ليس “النمو والتراكم الاقتصادي للاقلية” المشوه، أصلا، وبعينه، والذي لم يبرح تأخره وإستتباعه للغرب، وضربه عرض الحائط لحاجيات الناس البسطاء ولشروط تنمية حقيقية، كما عرفنا حدودها سابقا، ولكن بالتأكيد يضرب في العمق إستدامة التنمية البشرية- الرأسمال البشري المحلي والوطني- المواطناتي…!
ان أمر الأيقونات الوطنية والاجتماعية، يشير ايضا الى تاريخ و مخيال المقاومة المسلحة الجمعي لكل لمغاربة، وطنيا ومحليا ( تذكر الشنآن الذي حصل في مجلس فاس مؤخرا حول تسمية أحد شوارعه الكبرى بإسم المجاهد بنسعيدآيتإيدر)، والجبلي وبنونة… أو رجالات أشاوس آخرين، كإبن بركة و ع. الرحيم بوعبيد، ممن خصصت لهم الدولة إحتواء تسميات شارعان كبيران بحي الرياض بالرباط..)، كأن يتحدث ويتعرف أبناؤنا وأحفادنا ويعلمون “شيءا” عن المنبهي سعيدة و شيخ العرب أو محمد بن عبد الكريم الخطابي وموحا أو حمو الزياني وعسو وباسلام، والشيخ الهيبة ماء العينين والفطواكي، وغيرهم كثير، من المغمورين والمبعدين و”المنفيين الجدد”..، و كأن النظام السياسي المسيطر لا يحتمل أيقونات ونماذج وقادة و رموز و زعماء آخرين منافسين من على الساحة الوطنية، الخ)، بل ويجتهد لمسخ وتحوير التاريخ الحي لبلادنا بإستبدالوإختلاق أسماء أحياء وشوارع أخرى بأسماء هجينة لا علاقة للذاكرة الحية لبلادنا بها. (أنظر مدينة أكادير وغيرها.. ).
و لا ضير أن يتعرفوا عن حقيقة التاربخ الحي لبلادنا وعن انتصارات ألاجداد والاباء ( أذكر معركة لهري، ضاحية حنيفرة المقاومة، ومعركة بواغافر المجيدة بآيت عطا، ومعركة ايكوفيون لجيش التحرير في الجنوب ومعركة أنوال في الريف الابي، وغيرها )، و لا حتى في أن يستفيدوا دروسا من هزائم أو كبوات الأجداد، هنا وهناك، ولن ولم يتبط ذلك الإستبدالوالإستخلافوإستقدام أقوام غريبة، من الشرق وإفريقيا الساحل والجوار، ابدا عزاءم الخلف وطموح المغاربة في الحرية والعدالة الإجتماعية والمجالية والكرامة…، ما لبث حراك السابع والثامن والعشرون من سبتمبر الحالي/ 2025 أن أعاد طرحها في سياق دولي إقليمي ووطني أصعب !!
إنها هامات- مفخرة و نسيج لعلاقات إجتماعية ونفسية وحميمية و حياة قرب وقسم متجذر من مشترك الهوية الوطنية ( عرق، دين، لغة، ثقافة، فكر، عقيدة، نضال مشترك ضد الاستعمار والضلم الاجتماعي والفساد، بكل أنواعه…) و في أصول الشخصية المغربية الحرة، سبق وأن تكونت وتجدرت عبر التاريخ القديم و الراهن لكفاح بلدنا، وأصبحت تحت طائلة سؤال المخزن الجديد ومحط إزدراء وتبخيس سلطة الحاكم المستبد..
وبالتالي من الملحوظ إمكانية و مشروعية المقاومة المدنية، متى وجدت، وتجليها في إعادة النظر الواعي والمسؤول في حدود ومعنى الفضاءات التي يحتلها النزاع ويسشتري فيها الهدم او الاحتلال أو الإخلاء والطرد، وحتى “الابادة الجماعية” ( تذكر أحداث 1958 في الريف و أحداث 23 مارس 1965 في البيضاء وغيرها… ), وغصب أراضي وعقارات ومساكن ( دار عاءلة المختطف المانوزي قال..!! وغيرها )، لما يتطلبه البرنامج التنموي الوطني، بدون أن تطرق قليلا غطرسة و جفن الحاكم النتشوي “القوي”…!.
وإلا كيف يتم التغاضي، وبأي معنى، عن حيوات لقبائل وعاءلات طالتها الطوفانات والزلازل والأحكام الجاءرة والغير عادلة، و لا زال يطويها النسيان والتنكر والتجاهل الرسمي، رغم زخم المساعدات المالية الدولية وتضامن المجتمع المدني المغربي في الحدود التي ترسم إليه، علنا وسرا، لإعادة إنتاج النظام السياسي وتطوير أقتصاده المخزني …!؟
وهو ما سيسمح للمتعاطي من الباحثين والمهتمين بالموضوع وبالتحول المنظور بفهم صراع، كم يبدو ظاهريا و ظرفيا، لكنه ممتد في عمق التاريخ الاقتصادي-الاجتماعي العمراني الراهن لبلدنا، وفي إطار تحليل سياسي خاص به، بالضرورة..
بحكم إنخراط بلدنا في العولمة، إختيارا أو قهرا، وكما هو شأن البلدان المغاربية وعموم بلدان الجنوب المعولم( والعلو، من العالم التالث إلى الجنوب المعولم، 2025)، وهو إختيار محمود حتى لا يطوينا التجاوز الحضاري، وكيفما كانت الدرجة التي نحتلها في السباق والعراك الدولي المحموم، وهي فكرة للمفكر العروي ع. الله، كما سبق وذكرنا، دافع عنها و شجع المغرب على نهجها، على ان لا يبقى معزولا وناءما وفي غفلة عن الركب والموكب والعالم، وإن بكل تناقضات وأزمات العالم الحالية.
والحال ان المغرب يشهد المغرب تحضرا مرتفعا فوضويا وسريعا، تبدو المدن المستحدثة فيه كواجهة للحداثة وما بعدها، تغطي حقيقة الكثير من الفقر والخيانة والضعف والترهل، و تستعمل المعايير الدولية ومخططات التنمية، كطرق السيار وملاعب الكرة تحضيرا لألعاب القوى ولمونديال كرة القدم القادم، كذريعة شمطاء، فقط، لسلب الملكيات، وتسخيرها لوجهات تنموية خاصة، و ليس إلا..!
جميل أن لا يتقي المغرب حماءة وشراسة المنافسة الكوكبية، وأن يتسلح بالجرءة المطلوبة لذلك، لكن لا يمكن أن نرضى بتبوءه مستويات أدنى في الترتيب الدولي للتنمية البشرية، ما يزيد على درجة الماءة!! ولا يمكن أن تنطلي على المغاربة الأحرار لعبة “التركيز المقدس”، اليوم، على بنيات تحتية ليس لها من الإستدامة إلا الاسم، فقطر نظمت سوقا رياضيا عالميا ما لبثت أن فككت كل هياكله التحتية بمجرد إنتهاء المونديال. ثم أننا لم نلاحظ فرقاءنا في تنظيم المونديال، إسبانيا والبرتغال، الآن وهنا، تهدم وترحل وتهجر الناس من ديارها وتنزع ممتلكاتها..، إلا عندنا.
وهو ما بطرح أكثر من سؤال، يندرج بالتأكيد في منطق الرأسمالية والنيوليبرالية، لكن أن يتم ذلك بتوحش وبلامبلاة، وبفتح الباب عاى مصراعيه للبراني، فذاك ما لم يعد يقبله المواطنون المتطلعون إلى إرساء وتوازن الحقوق والواجبات الوطنية والمواطنة. أن نعرف في عقود التجارة من يبيع ولا نعرف من يشتري، فهو لعمري من غرائب الزمن الراهن.!
يبدو شرط التملك في التنمية الحضرية القبلي -ذاك- عقلانيا/ أو أيديولوجيا، وذلك لتدشين و شرعنة وإعادة إطلاق صيرورة الخصخصة “الجهنمية”، بإحتلال الأراضي المسماة “غير المنظمة والعشواءية”، و”أحياء الصفيح” و”السكن الغير اللاءق”، و كذا أراضي الجموع،….
و إن بدا الأمر ذو راهنية كبرى، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، فهو ما كانت وظلت تنهجه الرأسمالية، بنيويا، حقيقة، عبر التاريخ المعاصر …كالتراكم البداءي والاستعمار و تسييج الممتلكات Enclosures، المعروف في إقتصاد التنمية، حيث تستقوي محميات للطيور الداجنة ورحل الجمال والبقر وغيرها على السكان وألقباءل وأراضيها الرعوية الممتدة، للتضييق عليها وإستبعادها إلى ضواحي-ضواحي المدن الكبرى، كمحيط الدار البيضاء، ما كانت سباقة لإنشاء وتسميته من طرف فرنسا الكولونيالية ب”دور الصفيح”، للتربص والتخفي و البحث عن عمل بروليتاري، و حيث يعضم لهات خدام الامبريالية و هوس التثمين الفلاحي والعقاري…كل ذلك يستتبع ترحيل للناس- الساكنة والفلاحين، والتهجير بالبرودة اللازمة أو بالقوة، إن إقتضى تعنت المعنيين، ذلك، وأحيانا كثيرة بالدوس على كرامتهم وكسر أنوفهم، …الخ. وهو ما يؤشر على تحول عميق في البنيات من مستوى القبيلة والعاءلة إلى هجانة وإستكمال دورة الرأسمال الكبير، محليا ودوليا-عولميا…
والحال أن الخطاب المنمق حول الحداثة، والمستدام منها، لإستجلاب الأراضي الفلاحية، ليس إلا مرتكز لتمديد المنطق الاستعماري الرسمي إلى الاستيلاء على المجالات الزراعية الجماعية وتفويتها، حبذا لو لا يكون ذلك فقط الدراهم رمزية ويحسن فيها التفاوض لمصلحة الوطن، وهو ما يدفع الساكنة/ البدو والرحل، أكانت في المجال القروي أو المديني أو في شبههما، فضلا عن “قرونة” الفضاء الحضري، إلى بروز وتطور وتعدد أشكال مقاومة التحديث الحضري، بحق أو باطل، أو يراد به ذلك.
إنه الكفاح المشروع من أجل الحق في إعادة الإسكان، حيث تعمل السلطات الأمنية، وغيرها، على إعتماد الهدم والترحيل بالحيلة او بالشدة، دون عرض أي بديل رسمي أو “متوازن و متفاوض عليه”، في الكثير من الاحيان( أنظر دوار ولاد دليم أو دوار درابكة أو دوار المنزه /سكان أراضي جيش لوداي، وأحياء الصخيرات وتمارة والمحيط الجميل الملك على الاطلسي ودوار العسكر…)، وغيرهم كثير من الدواوير المجاورة للرباط العاصمة، وغيرها من أحياء و مدن المملكة…
أذا كانت الاباداتو عمليات الهدم…، هنا وهناك، تتم لاعتبارات سياسية، فالظاهر أن الترحيل والهدم، هنا، يتم أولا وقبل كل شيء لغرض أقتصادي- ربحي، يحوم حول سلب الارض، مكون للهوية والسيادةالوطنية والأشخاص والقباءل. ومن هنا أهمية النظرية الاقتصادية الاجتماعية لتأطير وفهم معنى انشاء المدن النيولببرالية المغربية الكبرى، اليوم.
كما أن المقاومات للساكنة تظهر أهمية التحليل السوسيولوجي، والاتنوغرافيو الانتروبولوجي منه، على وجه الخصوص، لفهم موارد ورافعات تصدي الساكنة “المطرودة” من “كعكة اللءام”، عرابو مشروع التعمير الحضري النيوليبرالي، من أجل الحق في إعادة الإسكان والعيش الكريم.
وأخيرا، وليس آخرا، بإمكان المتدخلين في الندوة أن يقدموا إهتماما خاصا لدراسة الخطاب وطرق إنتاجه والدعاية له، من الجهتين، الرسمية والشعبية، مواكبة له وفي إبان مراحله المرءية التاريخية الحية، و ضبط إستراتيجيات النضال السكاني و أشكال الاحتجاج الجماهيري.
ولا شك أن المعطيات الاحصائية الرسمية في الموضوع مهمة، فضلا عن كسب ثقة السكان المحليين لإنتاج معرفة ناجعة.