الحنبلي عزيز
الرباط – بعد نقاش ماراثوني امتدّ من صباح الثلاثاء إلى الساعات الأولى من صباح الأربعاء، صادقت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، بالأغلبية، على الجزء الأول من مشروع قانون المالية برسم السنة المالية 2026، في محطة تشريعية حاسمة تُتوَّج بها الولاية الحكومية الحالية باعتبار أن هذا المشروع هو آخر قانون مالية في عمرها.
وحظي الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026 بموافقة 24 نائبا، مقابل معارضة 10 نواب، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت، وفق المعطيات الرسمية المتداولة. وتمت عملية التصويت في أجواء اعتبرتها رئاسة اللجنة “إيجابية”، بعد ساعات من النقاش التفصيلي حول المقتضيات العامة والضريبية والمالية التي يتضمنها هذا الجزء.
وخلال الجلسة التي حضرها الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، بلغ عدد التعديلات المقدمة 350 تعديلاً، شملت مختلف الجوانب الجمركية والجبائية. وحرصت فرق ومجموعات الأغلبية والمعارضة، إضافة إلى الحكومة، على توظيف هذه التعديلات لمحاولة التأثير في التوجهات الكبرى للنص المالي.
وبحسب المعطيات نفسها، تقدمت فرق الأغلبية الحكومية، المشكلة من التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال والفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، بما مجموعه 23 تعديلاً، في حين لم تتجاوز التعديلات التي وضعتها الحكومة نفسها تعديلين اثنين، ما يعكس تمسكها بالصيغة الأصلية لمشروع القانون.
في المقابل، استأثرت المعارضة بالنصيب الأكبر من التعديلات، إذ تقدمت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بـ122 تعديلاً، متبوعة بالفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية الذي وضع 73 تعديلاً، ثم فريق الحركة الشعبية بـ46 تعديلاً، وفريق التقدم والاشتراكية بـ38 تعديلاً. وعلى مستوى النواب غير المنتسبين، تقدمت النائبة فاطمة التامني، ممثلة فيدرالية اليسار، بما يقارب 46 تعديلاً، وهو رقم يعادل ما تقدمت به بعض الفرق بكاملها ويتجاوز مجموع تعديلات فرق الأغلبية مجتمعة، في إشارة إلى الحضور القوي لاقتراحات المعارضة داخل مسار مناقشة المشروع.
رئيسة لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، زينة شاهيم، ثمّنت في تصريح صحافي “الأجواء الإيجابية” التي طبعت أشغال الاجتماع، منوّهة بجدية تعاطي مختلف الفرق والمجموعات النيابية مع مضامين مشروع قانون المالية، ومؤكدة أن النقاش لم يقتصر على المواقف السياسية العامة، بل تجسد في تعديلات تقنية مست قطاعات الجمارك والضرائب والموارد والنفقات. واعتبرت أن طريقة تدبير الجلسة عكست “تجاوباً ملحوظاً” من جانب الحكومة مع عدد من الملاحظات والاقتراحات الصادرة عن أعضاء اللجنة من الأغلبية والمعارضة على حد سواء، رغم تشبثها ببنية المشروع وتوجهاته الأساسية.
من جهتها، كانت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، قد شددت خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية 2026 على أن السياق العام لإعداده يعكس مرحلة جديدة من الدينامية الاقتصادية الوطنية، لم يعد فيها النقاش منصباً فقط على الصمود أمام الأزمات أو تقليص آثارها، بل على تحقيق نمو مستدام وتنويع مصادر خلق الثروة، في إطار اقتصاد مغربي “ناجح” يمضي قدماً وفق رؤية استراتيجية طويلة الأمد.
وأبرزت الوزيرة أن المغرب تمكن خلال السنوات الأخيرة من الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية وتعزيز السيادة المالية، بفضل الإصلاحات الجبائية، وترشيد النفقات، وتحسين تعبئة الموارد، وهو ما ساهم في تخفيض المديونية وتعزيز ثقة المؤسسات المالية الدولية في الاقتصاد الوطني، بما يفتح الباب أمام جلب مزيد من الاستثمارات العالمية.
وترتكز الفلسفة العامة لمشروع قانون المالية 2026، وفق العرض الحكومي، على تسريع أوراش “المغرب الصاعد” وتحقيق تنمية وطنية تجمع بين العدالة الاجتماعية والتنمية المجالية المندمجة، من خلال أربع أولويات كبرى؛ تتمثل في توطيد المكتسبات الاقتصادية وتعزيز موقع المغرب ضمن الدول الصاعدة، وإطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، ومواصلة ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية، إلى جانب تعميق الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على توازنات المالية العمومية.
وبالمصادقة على الجزء الأول من المشروع داخل لجنة المالية، ينتقل النص إلى مرحلة جديدة من النقاش والمصادقة في الجلسة العامة، وسط ترقب لمآلات التعديلات المتبقية، ومدى قدرة الحكومة والبرلمان على التوفيق بين إكراهات التوازنات المالية وضغوط المطالب الاجتماعية والمجالية المتزايدة.