أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(32):التواصل توأم الإنصات
نعم، الإنصات توأم التواصل، فإن غاب الأول انعدم الثاني.
Et vice-versa
بعدما انتهت مرحلة “التوحيد/التجميع” الفوقية، بقيت منظومتها المعيبة موشومة في أفعال المتبقين. كانت “الأغلبية” المفككة السابقة، في مجملها، تجسد تلك العيوب، ولم يستوعب الساسة المتبقون من تلك الأغلبية الغابرة، أن محو سلبيات الفترة الفاشلة تقتضي مراجعة أساليب العمل السابقة. كانت موجة التيارات ديناميكية أفقية (horizontale) تصنع الانسجام (homogénéité)لتكسير الهيمنة العمودية (verticale) “التجميعية”(hétérogène). تجربة التيارات دينامية لتكسير الهيمنة التجميعية العمودية باصطفاف يجتهد لتنظيم علاقات أفقية بين وجهات النظر المتعددة الموجودة. كان التجميع العمودي يشتغل بعقلية الزعامة مع التسليم بانضباط الأتباع وبعلاقات التوافق بين الزعماء في الأعلى وبالتقسيم المسبق للمواقع القيادية، بينما اشتغل المعترضون على ذاك “التواطؤ” الزعاماتي كي تصبح قواعد العمل وفق هندسة تنظيمية يقررها المؤتمر، واعية بذاتها، توحّد مواقف المواطنين المناضلين، الذين ليسوا مجرّد كومة أعوان ينضبطون لمجموعة أعيان. كانت علاقات “الاغلبية” السابقة (ما قبل 21 جوان 2021) تنتظم وفق الشيخ والمريدين، بينما اشتغلت التيارات الاقلية على قاعدة العمل الجماعي التعاقدي يحكمها الموقف وليس الموقع.
ولأن الحزب اشتغل بالتمثيلية النسبية في الاجهزة القيادية تشكلت أغلبية جديدة عندما احتدم النقاش حول توقيت الاندماج. فبقي نسيج الحزب مكوّنا من نصف الأغلبية السابقة رفقة تياري الأقلية (التغيير الديمقراطي واليسار المواطن والمناصفة).
مع ذلك، نصف الأغلبية السابقة المتبقي، ما زال جزء منه متقوقعا داخل صدفته المتحجرة السابقة كونه “الرائد” في الحزب، وما زالت أساليب هذا الجزء (المتقوقع داخل صدفته) مبنية على الفوقية بمضمون فارغ لا قدرة له على حساب التموقع الجديد ولا يملك بصيرة لتوقع ما سوف يحدث في الحزب.
لكل هذه الأسباب يدير اللجنة التحضيرية بتجريبية براغماتية على أمل الاستعانة بالخبراء القدماء لتقويم ما لا يستطيعون تقويمه هم داخل اللجنة التحضيرية. بما يعني وضع اللجنة التحضيرية تحت الحجر والوصاية لمن سوف يقوّمُونَ عملها من خلف ستار. هذا الأسلوب دليل قاطع على غياب الثقة بمن تبقوا في الحزب، مما يعني التراتبية العمودية ما زالت دائما كبوصلة محافظة أبوية زعاماتية يمارسها السلف على الخلف. وهو ما يفسر المضاربة الشفوية بالحديث عن التشبيب والتأنيث بينما يغيب التشبيب والتأنيث عمليا في عضوية اللجنة التحضيرية.
المؤشرات التي برزت إلى الآن في عمل اللجنة التحضيرية يحضر فيها التوجس داخل المتبقين من الاغلبية فيما بينهم، هل يعني ذلك مجرد “تلفة” تكتيكية أم تحايل استراتيجي لبلوغ الهدف الهيمني بأقل الخسائر وأقل ضجيج؟
ما يهم هو تمكين الشباب والنساء من المشاركة الوافية في النقاش وصناعة استراتيجية الحزب بما يكفي من الوقت، حتى ينضج البرنامج السياسي الصادر عن المؤتمر الخامس على نار هادئة. أما وضع الرهان الفردي مقابل الأفراد المنشقين لتبيان الريادة والزعامة الناجحة فأوراق ستسقط في الماء قبل المؤتمر.
دون ذلك، سيقارب الحزب من ملامح الأطراف الحزبية التي كان يشاركها هموم الفيدرالية السابقة، هموم الزعاماتية الفوقية التوافقية بهدف اقتسام المواقع لا الاشتغال على ما في الواقع. والواقع فروع في المناطق عتاده عمل النمل والنحل فيها شباب ونساء وليس زعماء وأوهام.
إذا لم نجدد العلاقات داخل الحزب على أسس الثقة والاحترام المتبادل سيستمر الحزب متردي الممارسة على أسس بالية كالتالي:
- لي الأدرع،
- غياب الإعلام الحزبي الداخلي
- الهواية في الصرف المالي مع الزبونية
- ثلاث معالم لوجهين متكاملين البيروقراطية والشعبوية
- عدمية في التحالفات
مع العلم، هناك برنامج سياسي متوازن مسبق يتكامل فيه الاشتغال من داخل المؤسسات والدعم السياسي المتواصل للحراكات الشعبية رئة تتنفس من خلالها الحياة السياسية كي لا تصل إلى تراكم الاختناقات التكتيكية وبعدها الانسداد الاستراتيجي.
يبقى هذا البرنامج العام المنبثق عن المؤتمر الرابع (بداية 2018)، بلا ترتيبات بعدية تراعي انعكاسات أشكال الحظر الصحي، التي خلقت تبريرات موضوعية في مجال التواصل عموما. لكن المعلومة الحزبية والتنظيمية التي تعتبر بمثابة تغذية الحياة الحزبية الداخلية وتقوي الشعور بالعضوية عبر دورة دموية نشيطة. هذه الدينامية يظهر أنها تعاني من فقر الدم ومن الأنيميا في “المعادن” الأصيلة داخل قيادة التنظيم الحزبي المتبقي بعد الانشقاق.
مقابل هذه الأنيما فيما هو صحي، ما زالت أشكال “التواصل” السابقة سارية، منها حركية الكولسة العمودية كخط دائم الحرارة. علما أن الكولسة باعتبارها حركة معلومات غير رسمية وغير عامة وغير شفافة ولا علنية، تتسرب إليها عادة شوائب الزيادة والنقصان تشوه المعلومة المعنية بالتداول المكولس ومعها تتم الإساءة “للخصوم”، لأن الكولسة في الأصل نميمة تعوّد عليها التقليديون منذ عهد الهمزة واللمزة قبل ألف عام.
باستثناء بيانات الهيئات القيادية عندما تصدر البيانات طبعا (المجلس الوطني والمكتب السياسي)، فتوصيل الفروع بتعاميم دورية عن جداول أعمال المكتب السياسي واللجنة التنظيمية الوطنية واللجنة المالية (إن وجدت طبعا)، كل هذا الشريان المعلوماتي تكرس غيابه طبعا. مما جعل أشغال المكتب السياسي، وبحسن نيّة، تصبح حقنة معلومة محفوظة في دواليب المكتب السياسي نسياً منسيا، محظورة عملياً عن الفروع. طبعا “مؤسسة” الكولسة ما زالت مشتغلة، وتوابعها المخربة (التقول، النعوت، النميمة والهمزة واللمزة) كلها ما زالت حيّة.
خلال التحضير للمؤتمر الرابع كان تيار اليسار المواطن والمناصفة طالب بحزب المجالس بدل حزب المكاتب، حزب برلماني بدل حزب تنفيذي، اليوم حتى حزب المكاتب غير متوفر…لقد ولّى حزب التنظيم وترك المكان لحزب “البريكول” المغلق والمكتفي بنفسه.
ويمكن طرح استمارة حاليا تجس نبض مكاتب الفروع بصدد المعلومات الحيوية عن حالة الحزب بعد انشقاق الصيف الماضي.
من الأسئلة التي يتوقف على إجابتها الحد الأدنى من معلومات الفروع= كم فرعا بقيَ منتميا للحزب الاشتراكي الموحد؟ كم فرعا دخل الانتخابات برمز الشمعة؟ كم فرعا اعتبرت السلطة أنه لم ينجز الشروط القانونية المسطرية وأقصيَ من المشاركة في الانتخابات؟ ما هي الفروع التي تتوفر على منتخبين عبر خريطة المغرب الجغرافية؟ كم عدد المنتخبين؟ كم عدد العضوات المنتخبات؟ هل حلّل المكتب السياسي خريطة الفروع الموجودة في الجماعات المحلية؟ هل قام بترتيبها من زاويتين: زاوية أهم الحواضر الكبرى والمناطق القروية والمدن المتوسطة؟ وأهمية الفروع بالنظر إلى عدد المنتخبين مقارنة بعدد الأعضاء؟
هل توصلت الفروع بالمعلومات المالية وبالتقارير التي توصل بها المجلس الأعلى للحسابات؟ في حالة توصل المجلس الأعلى للحسابات بالتقارير المالية خلال الحملة الانتخابية ومجمل الميزانية التي ينص القانون على نقلها من الحزب إلى المجلس الأعلى للحسابات، فلماذا لم تتوصل الفروع بنفس التقارير؟ هل الحزب “خـــدّام” مع المجلس الأعلى للحسابات وتنظيمه الداخلي في الفروع “خــدّامين” ب”البايلك” مع قيادة الحزب؟
تعامل المكتب السياسي في الجانب المالي مع الفروع بعقلية القيادة البيروقراطية المتعالية يؤكد هذا الواقع المــــرّ.
الحالة السياسية العامة الحالية كانت توحي (الخارجية منها والداخلية) بما قد لا يدعو الأعضاء إلى تأسيس تيارات متنافسة. لكن الانحدار التنظيمي في الجوانب التواصلية.، يظهر أن الناس لا يفهمون من التحديث والعصرنة فيها سوى المظاهر الغربية مرفوقة بالميكيافيللية المحتالة والمتحايلة على قاعدة علاقة “الأعيان والأعوان”. بئس ما وصلنا إليه من تخلف علاقاتي.
يعتمد لي الأدرع على تكتيك الزمن المنظور. عبارة “الزمن المنظور” التي حرص تيار اليسار المواطن والمناصفة لوضعها في البيان العام للمؤتمر الوطني الرابع، بدل زمن سقف مؤرخ يكبل الحزب، أخذه المكتب السياسي كمنهجية للتمطيط والتحايل على الوعود والمواثيق القانونية.
التواصل توأم الإنصات، ومن لا ينصت يكولس ولا يتواصل….هذا الكلام نسوقه ضمن تراث مشترك بالصيغة التالية: ” المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.”
نتمنى أن تسترسل منظومة الإنصات والتواصل، حتى تغيب دواعي التشكي وما يتبعه من مؤشرات السهر والحمى.