وجهة نظر

ذ.محمد اكديد :من الخاسر في الحرب الروسية الأوكرانية؟

بمجرد إعلان بوتين عن تجنيد 100 ألف روسي للمشاركة في الحرب على أوكرانيا، حتى برز بعض المحللين الاستراتيجيين الأفذاذ يلوحون بقرب هزيمة الدب الروسي هناك ويبشرون بتفكك روسيا بعد هذه الحرب ومنهم من ذهب بعيدا إلى حد التنبؤ باغتيال بوتين..
جوابا على هؤلاء الحالمين الذين يرددون ماتتناقله القنوات الغربية والتابعة لها في المنطقة والعالم، فإن هذا القرار في جوهره، هو رسالة لأمريكا والناتو بأن روسيا مستمرة في حربها داخل أوكرانيا حتى تحقيق كل أهدافها، وماذا تمثل 100 ألف متطوع بل حتى مليون أمام 125 مليون مواطن، هم العدد الحقيقي لسكان روسيا؟؟
حقا، لقد خسر الجيش الروسي عددا من جنوده في بعض المقاطعات، خصوصا بعد الإسهال في الأسلحة التي تلقاها الجيش الأوكراني أو بالأحرى ميليشيا آزوف والمرتزقة المجندين في صفوفها بتدبير الناتو والاستخبارات الأمريكية، ولكن لكل حرب خسائرها وهذا أمر متوقع. وانسحاب الجيش الروسي من بعض المقاطعات يوازيه اجتياحه لأقاليم ومقاطعات أخرى ذات مساحات شاسعة، بل إلى تنظيم استفتاء كبير في هذه الأراضي (إقليم الدونباس، مقاطعة خيرسون وزاباروجا)، وهي مناطق كلها ذات أغلبية روسية مما ينذر فعلا بتقسيم أوكرانيا وإعادة سيناريو جزيرة القرم.
لعل الخاسر الأكبر في هذه الحرب، لو أردنا الحديث عن مؤشرات الربح والخسارة، خصوصا من الجانب الاقتصادي، هي أوروبا التي تدفع اليوم ثمن انخراطها في خطة الولايات المتحدة الأمريكية لحصار روسيا وإشعال جبهة أوكرانيا من جديد من أجل إرهاق الدب الروسي، خصوصا بعد استعمال بوتين لورقة الغاز للضغط على الأوروبيين مع فصل الشتاء الذي بات يدق على الأبواب. أما عن خسائر روسيا الاقتصادية، فيبدو أن بوتين كان قد جهز لهذا الأمر قبل الدخول في هذه الحرب منذ زمن طويل، على الأقل بعد أحداث 2014، حيث بدت بالواضح تدخلات الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا وتهديدهم للأمن القومي لروسيا من خلال هذا البلد الذي يقتسم معها أكبر شريط حدودي. ولاينبغي أن نغفل التقارب الروسي الصيني خلال السنوات الأخيرة، والذي لم يتوقف عند المشاريع الاقتصادية والاستثمارات التي قامت بها الصين في روسيا، بل تجاوزت الأمر إلى التنسيق الأمني والمناورات العسكرية المشتركة في أكثر من مناسبة. حتى أن بوتين لم يبدأ حربه على أوكرانيا حتى استأذن الصين التي أمهلته بدورها إلى مابعد انتهاء الألعاب الشتوية في بكين، فضلا عن رفع طلباتها لشراء الغاز الروسي بعد توقف عدد من البلدان الأوروبية أو تخفيضها لطلباتها لشراء الغاز الروسي، مما يكشف عن قيام حلف استراتيجي بين البلدين بات يحيي آمالا كبيرة لقيام محور منافس لأمريكا والغرب، خصوصا بعد حديث بوتين في عدد من خطاباته الأخيرة عن توجه جديد لبناء عالم متعدد الأقطاب، لاريب أنه فتح شهية الصين وقوى أخرى صاعدة في أمريكا اللاتينية وآسيا للتنسيق بل التحالف من أجل تحقيق هذا الهدف وإسقاط هيمنة القطب الوحيد الذي تقوده أمريكا.
وهو نفس ماكان يبشر به المفكر الاستراتيجي الكبير  ألكسندر دوغين، ملهم بوتين والعقل المدبر لطموحات روسيا الجديدة، والتي تعكس الموقف الحقيقي لغالبية الروس القوميين داخل البلد. وهو السبب المباشر لمحاولة اغتياله، حيث تم تفجير سيارته بابنته وقد كان سيرافقها لولا أن تراجع لآخر لحظة.
وأخيرا فإن روسيا لاتواجه أوكرانيا في الواقع بل الناتو ومعه أمريكا بأسلحتهم وإعلامهم ومرتزقتهم، وهي  لم تبدأ الحرب الحقيقية بعد، ولديها من الأسلحة الاستراتيجية ماتستطيع بها حسم الموضوع في أوكرانيا، لكنها تقود معاركها بتؤدة ودهاء رغم مايروجه الإعلام الغربي عن خسائرها المبالغ فيها. فكل ماتلقته من ضربات يبقى داخل أوكرانيا، ولايمكن الحديث عن هزيمتها إلا في حالة واحدة؛ أن تنتقل الحرب إلى داخل روسيا، وهو مالم يستطع فعله الغرب لحد الآن ولن يستطيع.
أما الإنسانيون الذي يتحدثون عن الهمجية الروسية في أوكرانيا، فعليهم العودة قليلا بالزمن إلى الوراء لمتابعة ماكانت تفعله ميليشيا آزوف بالأوكران من ذوي الأصول الروسية داخل إقليم الدونباس قبل دخول الجيش الروسي للوقوف على الهمجية الحقيقية لليمين المتطرف الأوكراني، والذي بات يكتسح مساحات أوسع في أوروبا ويهدد استقرار الجاليات العربية والمسلمة بالخصوص..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى