وجهة نظر :في الوحدة والاختلاف
تميزت تجربة اليسار المغربي، منذ نهاية الوجود الاستعماري المباشر بالبلاد إلى اليوم، بعملية تفكيك مستمرة ومتواترة، تمظهرت في شكل انشقاقات وانسحابات فردية وجماعية، كان لها الأثر البالغ على مكانة اليسار ودوره في الواقع السياسي العام. وإن اعتبر هذا التفكك موضوعيا في سياق تطور التجربة اليسارية وما أفرزته من تباين فكري وتباعد في الاختيارات السياسية والاجتماعية، فإن السعي ظل مستمرا لتجاوز شروط هذا التفكك واستعادة قوة الفعل السياسي اليساري وتقوية مواقعه السياسية والاجتماعية، وذلك من خلال محاولات التجميع وحل الخلافات في صفوف اليساريين، بخلق إطارات موازية للتنسيق وتوفير شروط الحوار المستمر من أجل تجاوز واقع تضرر منه الجميع. غير أن الانشغال ظل قائما لإيجاد سبل كفيلة بتقريب وجهات النظر، من أجل تجاوز التفكك وتوفير شروط العمل المشترك بأفق دمج مختلف البنيات التنظيمية في إطار متعدد يتسع لممارسة الوحدة والاختلاف. ودون تبخيس أو التقليل من قيمة كل المبادرات التي جربت لتحقيق وحدة اليسار، فإن ما ميزها حتى الآن هو غياب قنوات لتصريف الاختلاف واستيعاب كل الآراء والتعبيرات اليسارية، بحيث ظلت كل كثلة تحافظ على بنياتها وعلاقاتها، مما أثر سلبا على استثمار كل المجهودات التي بدلت لتجميع قوى اليسار وتحقيق وحدته. ما هو مطلوب اليوم في تقديري الخاص، هو إيجاد صيغة تنظيمية تستوعب مختلف التصورات، وتحتكم إلى ما هو مشترك بأهداف واضحة ومحددة، بعيدا عن كل تفكير في الإلحاق والدفع إلى الانصهار الغير مؤسس على قاعدة الانسجام الفكري والتقارب في التقديرات السياسية للواقع ومتطلباته، من ذلك صيغة التيارات المتفاعلة داخل نفس الإطار وبآليات فاعلة وحاضنة للاختلاف، مؤهلة لفسح المجال لكل التعبيرات اليسارية لتوحيد فعلها على قاعدة الحد الأدنى المشترك. وتبقى المبادرة مفتوحة في وجه كل المناضلين الجادين، دون الاعتماد على القرارات القيادية، التي لم تتجاوز دعواتها للتوحيد، حدود التعبير عن الحاجة أو ضرورة توحيد قوى اليسار، دون اتخاذ الخطوات العملية المؤدية إلى خلق إطار فعلي مقبول ويمكن من تجاوز التفكك.
في تجربة فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي جمعت ثلاثة مكونات سياسية يسارية، حزب المؤتمر الاتحادي، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و حزب الاشتراكي الموحد، تمكنت هذه المكونات من تجاوز بعض العوائق، بالحسم في القضايا الأساسية التي اعتبروها قاعدة لأي عمل مشترك أو أساس أي تحالف أو اندماج مأمول، فكان الاتفاق على شكل النظام السياسي ، والموقف من الوحدة الوطنية وقضايا الدستور. ما عدا ذلك اعتبرت تفاصيل تناقش في حينها، وان كل خلاف حول هذه القضايا الثلاث يمكن لأي طرف أن يتخذ الموقف الذي يراه مناسبا وينسجم واختياراته. ومنذ تشكل هذا الإطار الوحدوي، تمكنت مكونات التحالف من تحقيق نوعا من التقدم في تطوير العلاقات بين القيادات من جهة وبين المناضلين في قواعد هذه الأحزاب من جهة ثانية، مما سهل عملية العمل المشترك على أكثر من مستوى، خصوصا في الانخراط المشترك في الاستحقاقات الانتخابية، بحيث تم التغلب على كل ما كان من شأنه أن يعرقل العمل ويحسر الفعل المشترك، بحيث توزيع الدوائر الانتخابية اعتمادا على معايير محددة وواضحة تم القبول بها، وعلى أساسها أسندت مسؤولية تشكيل اللوائح الانتخابية لكل مكون من المكونات. كما تم العمل بشكل جماعي، بانتداب أطر من كل حزب، بإعداد البرنامج الانتخابي وتحديد محاور القضايا الأساسية التي تقتضي المرحلة بلورتها وإبرازها، كقضايا أساسية تقتضي النضال على أكثر من مستوى لتحقيقها كأهداف وغايات. هذا لا يعني أن ليس هناك صعوبات وموانع، ولكن الأكيد أن الجزء الهام من مسافة التوحيد قد تم قطعها بقليل من الأضرار.
أحمد حبشي