أحمد حبشي: في جـــدلية الذات والمكان
في لقاء شيق نظم بالمقهى الثقافي بحي المعاريف بالدار البيضاء ، تناول ثلة من المثقفين في حديث رزين وعميق مفعول المكان ووقع تأثيره في تحديد المسارات ورسم أفاق الوقائع ومصائر الناس، من خلال تحديد ملامح و تجليات صورة المدينة في الشعر بشكل خاص والأدب عموما. استهل اللقاء بعد حصر إطاره ودواعي الدعوة إليه، بمداخلة الشاعرين الأستاذة حفص لمراني والأستاذ صلاح الوديع ، حيث أثار كل منهما علاقته بمدينة الدارالبيضاء وما ترتب عن هذه العلاقات من إبداع أدبي سجلا من خلاله تفاعلهما القوي مع لحظات تراوحت بين البهجة والتوتر الحاد الذي يترك سمات عنف عاطفي ممزوج بانفعال يولد الإحساس بالقسوة والانشطار . تلت الشاعرة حفصة أولا مقتطفات من أعمالها التي من خلالها جوانب من حياتها في علاقة بالأمكنة التي جاورتها منذ الطفولة وما عاشته من أحداث. الشاعر صلاح من جانبه قرأ نصا عرض من خلاله مراحل صلته بأمكنة متعددة منذ خطواته الأولى وهو يتجاوز عتبة البيت إلى أن وجد نفسه محجوزا بين جدران تحد من حركته وتحرمه من كل مباهج الحياة. في نقاش تجربة الشاعرين مع الأمكنة، فتح نقاش تناول خصائص الأمكنة وتداعياتها . لم تختلف الآراء كثيرا في الحديث عن السمات المتعددة للأمكنة وقوة تأثيرها، لا من حيث اعتبارها حاضن لفعل إنساني خلاق يتسم بخصال تميزه وتبرز خصوصياته ، ولا من حيث قوة تأثير الفعل الإنساني فيها ، فهي تصبح في ذات الوقت دليلا يحدد سمات الأشخاص الذين ينتمون إليها ويحيلون عليها . فالبيضاء كمدينة يثير ذكرها كل التصورات حول أجواء الصخب، والاندفاع المطلق نحو البحث عن آفاق طافحة بكل ما هو مدهش ومثير. في المقابل ينظر إلى البيضاويين بالتحديد بإبراز سمة اندفاعهم حد التهور، وهم في التصور العام الأكثر قدرة على المواجهة وإثارة الشغب وتحقيق الغايات. الأمر لا يختلف حين ينظر إلى مراكش والمراكشيين ، فصفات المكان مرتبطة بفعل أنساني والإنسان موشوم بحمولة المكان . هكذا امتد النقاش إلى إبراز كل الجوانب التي أخذت أبعادا في التعاطي مع بعض التفاصيل التي ترجح تأثير المكان في تحديد سمات الأشخاص وفي مقابل قوة فعل الإنسان في بلورة ملامح المكان. تفاعل جدلي يجلي حقيقة قوة الفعل الإنساني في تحديد معالم المكان، ويؤكد أن تاريخ الأمكنة موشومة بفعل إنساني بكل أبعاده المادية والأدبية.
سياق هذه الخلاصة سيقود إلى الحديث عن موقع الشعر في الحد من عنف المكان و تلطيف وقع أجوائه، وإبراز كل ما يكشف جمالية ومباهج الحياة ، وكيف يطيب العيش في كنف الفضاءات رغم قسوة تمظهراتها وما يتركه الفعل الإنساني من أثر ايجابي عموما يساعد على تجديد معاني الحياة ويضفي على الأمكنة الكثير مما يساعد على الاستمرار.
أحمد حبشي
دجنبر 2021